پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص74

محرماً فأحرم منه مبتدئاً لم يلزمه الدم محرماً أولى ، لأنه أكثر عملاً ، ولأن الدم يتعلق بمجاوزة الميقات ، كما يتعلق بالدفع قبل غروب الشمس من عرفات ، ثم ثبت أنه لو عاد إلى عرفة ليلاً سقط عنه الدم ، فكذلك يجب إذا عاد إلى الميقات محرماً أن يسقط عنه الدم ، فأما الجواب عن قوله : ‘ من ترك نسكاً فعليه دم ‘ ، فهو موقوف على ابن عباس ، ولو صح مسنداً لم يكن دليلاً ، لأنه ما ترك نسكاً ، وأما قياسهم على من عاد بعد الطواف ، فالمعنى فيه أنه عاد بعد فوات الوقت ، فلم يسقط عنه الدم كمن عاد إلى عرفة بعد طلوع الفجر من يوم النحر ، وهو إذا عاد بعد الطواف ، فقد عاد قبل فوات الوقت ، فلذلك سقط عنه الدم كمن عاد إلى عرفة قبل طلوع الفجر ، وأما اعتبارهم ذلك بدم الطيب واللباس ، فغير صحيح . لأن الترفه باللباس موجود وإن خلعه والاستمتاع بالطيب حاصل وإن غسله فالتزمه بالعود إلى الميقات ، غير موجود فلذلك يسقط عنه الدم وأما سجود السهو ، فالمعنى فيه أنه يلزم في الزيادة والنقصان ، فلذلك لم يسقط بالعود ، ودم الميقات لا يجب بالزيادة ، فلذلك سقط بالعود ، وأما الوديعة ، إذا تعدى فيها فنحن ومالك مجمعون على الفرق بين الوديعة والميقات ، لأن مالكاً يقول يسقط ضمان الوديعة بالكف عن التعدي ، ولا يسقط الدم بالعود إلى الميقات ، ونحن نقول : لا يسقط ضمان الوديعة بالكف عن التعدي ، ويسقط الدم بالعود إلى الميقات ، فلم يسلم له الجمع بينهما على أن الفرق بينهما أن ضمان الوديعة وجب لآدمي ، ودم الميقات وجب لله تعالى وفرق في الشرع بين إبداء ما وجب للآدميين وبين إبراء ما وجب لله تعالى . ألا ترى أن الغاصب إذا تناول مال غيره ثم أرسله لم يبرأ من ضمانه ، والمحرم إذا أمسك صيداً ثم أرسله برئ من ضمانه .

فصل في دخول مكة بغير حج أو عمرة

وأما القسم الثاني : وهو أن يريد دخول مكة لا لحج ولا لعمرة ، فقد اختلف قول الشافعي ، فيمن أراد دخول الحرم ، هل يجوز أن يدخله حلالاً بغير نسك ؟ على قولين :

أحدهما : يجوز بأن يدخله بغير نسك ، فعلى هذا لا يلزم الإحرام من الميقات .

والقول الثاني : لا يجوز أن يدخله إلا محرماً بنسك إما لحج أو لعمرة ، فعلى هذا يلزم الإحرام من الميقات ، فإن جاوزه غير محرم ، نظر في حاله ، فإن دخل مكة غير محرم لم يلزمه الدم لمجاوزة الميقات ، لأن الدم إنما يجبر به نقص النسك ، ولا يجب بدلاً من ترك النسك ، وإن أحرم بعد مجاوزة الميقات ، نظر ، فإن عاد إلى الميقات محرماً سقط عنده الدم ، وإن لم يعد إليه محرماً ، وجب عليه الدم لمجاوزة الميقات .