الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص70
كريز أحرم من هراة خراسان في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ولم يرو عن أحد من الصحابة إنكار ذلك عليه ، وعدوه من فضائله ، مع أنه كان والياً تحصى آثاره ، وتعد هفواته ؛ ولأن الإحرام نسك ، وقطع المسافة طاعة ، فكان فعله أولى من تركه .
والقول الثاني : أن الإحرام من الميقات أولى ؛ وبه قال من التابعين عطاء ، والحسن .
ومن الفقهاء مالك بن أنس ، لأن رسول الله ( ص ) حج مرةً واعتمر ثلاثاً ، فأحرم في جميعها من الميقات ، ولم يحرم في شيء منها قبل الميقات ، ولو كان الإحرام قبل الميقات أفضل ، وهو لا يعدل عن الأفضل لاختياره لنفسه ولفعله ولو مرة ينبه الناس على فضله ، وروي عن عمران بن حصين أنه أحرم من البصرة ، فأنكر عليه عمر بن الخطاب ، وأغلظ له ، وقال : يحدث أن رجلاً من أصحاب رسول الله ( ص ) أحرم من مصر من الأمصار ، ولأن ترك الإحرام قبل الميقات مباح ، وفعل المحرم ، ما نهى عنه من الطيب ، واللباس ، وإتيان النساء معصية ، وهو إذا أحرم لم يأمن مواقعة المعصية باللباس والجماع المقتضي إلى الإفساد ، فكان ترك ما هو مباح من الإحرام لأجل ما هو معصية من اللباس والجماع أولى ومن الغرر أبعد .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، أما قوله وهذه المواقيت لأهلها ، أي لسكانها والمقيمين بها ، كأهل ذات عرق ، وقوله : ‘ ولكل من يمر بها يريد من كان وراء الميقات كأهل العراق إذا مروا بذات عرق ‘ ، وقوله : ‘ ممن أراد حجاً أو عمرةً ‘ يريد أن ميقات الحج والعمرة لأهل المواقيت واحد ، وهذه جملة ليس يُعرف فيها مخالف ، والدلالة عليها رواية طاوس عن ابن عباس أن النبي ( ص ) وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، الخبر ، إلى أن قال : ‘ هذه المواقيت لأهلها ولكل من أتى عليها ممن أراد حجاً أو عمرةً ، ومن كان دون هذه المواقيت فمن حيث أنشأ حتى يأتي على أهل مكة ‘ . وقد روى الشافعي هذا الحديث عن طاوس عن النبي ( ص ) مرسلاً .