الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص68
ميقات أهل العراق والمشرق ، وقد اختلف الناس فيه : هل ثبت مقدراً بنص رسول الله ( ص ) أو قياساً باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم ؟ فحكي عن ابن سيرين وطاوس أن ذات عرق مؤقتة باجتهاد لا بنص ، قال الشافعي : وما أراه إلا كما قال طاوس .
وحكي عن ابن جريج وعطاء أنها مؤقتة بنص كغيرها من المواقيت ، فمن ذهب إلى أن ذات عرق غير منصوص عليها ، استدل برواية نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له : إن رسول الله ( ص ) لم يؤقت لأهل المشرق سنناً ، فقال : أنظروا ما حال طريقهم ، قالوا : قرن ، قال : اجعلوا ميقاتهم ذات عرق . قالوا : ولأن أهل العراق والمشرق كانوا كفاراً على عهد رسول الله ( ص ) ، فكيف يصح أن ينص على ميقاتهم وهم على كفرهم ؟
ومن ذهب إلى أن ذات عرق منصوص عليها ، استدل على ما روى ابن جريج عن عطاء عن جابر ‘ أن النبي ( ص ) وقت لأهل المشرق ذات عرقٍ ‘ . وروى ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر ‘ أن رسول الله ( ص ) وقت لأهل العراق ذات عرقٍ ‘ . وروى هلال بن زيد بن يسار عن أنس ‘ أن النبي ( ص ) وقت لأهل البصرة ذات عرقٍ ‘ . وهذا أصح المذهبين لهذه النصوص الثابتة ، ويجوز أن يكون الشافعي لم تبلغه هذه الأخبار ، فأما حديث ابن عمر فغير ثابت عنه ، وأما ما ذكره من كفر أهل العراق والمشرق ، فقد كان أهل المغرب أيضاً كفاراً ، وكان بالشام قيصر ، وبمصر المقوقس ، ونص على ميقاتهم مع كفرهم ، فكذلك أهل العراق والمشرق ، ولأن الله تعالى أطلعه على إسلامهم ألا ترى ما رُوي عنه ( ص ) أنه قال : ‘ زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ‘ . وقال لعدي بن حاتم : ‘ يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها لا تخاف إلا الله تعالى ‘ . على أنه قد كان بمشرق مكة مما يلي أرض نجد خلق من العرب قد أسلموا من بني عامر وبني سليم وغيرهم فيجوز أن يكون وقته لهم .