پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص50

أحدهما : لا دم عليه ، وهو قول أحمد وإسحاق ، لأن الإحرام أحد أركان العمرة فصار كما لو طاف قبل شوال .

والقول الثاني : عليه دم ، وهو قول طاوس لأنه قد أتى بمعظم أفعال العمرة في أشهر الحج ، فصار كما لو استأنفها فيه ، ولو اعتمر في أشهر الحج ثم عاد إلى ميقات بلده فأحرم بالحج منه سقط عنه الدم ، ولكن لو أحرم بالحج من مكة ثم عاد إلى ميقات بلده محرماً ففي سقوط الدم عنه ، قولان :

أحدهما : قد سقط عند الدم ، كما لو ابتدأ إحرامه من الميقات .

والقول الثاني : لا يسقط عنه لأن وجوبه قد استقر عليه بإحرامه من مكة ، وقال أبو حنيفة لا يسقط عنه الدم إذا رجع إلى ميقات بلده ، فأحرم منه حتى يرجع إلى بلده لأنه قبل رجوعه إلى بلده على حكم سفره ، فكان على حكم حجه ، ودليلنا هو أن محل إحرامه ما بين بلده وميقاته ، فلما سقط عنه الدم برجوعه إلى بلده ، وهو أول ميقاته سقط عنه برجوعه ، إلى آخر ميقاته لاستواء حكم جميعه ، وفيه الفصال .

فصل

: فأما أهل مكة والحرم وحاضريه وهو ما بينه وبين الحرم مسافة لا تقصر في مثلها الصلاة ، فلا دم عليهم في التمتع والقران معاً نص عليه الشافعي : ولا يكره لهم ذلك ، وقال أبو حنيفة يكره لهم التمتع والقِران ، فإن فعلوا فعليهم دم كغيرهم ، واستدل على كراهة ذلك لهم بقوله تعالى : ( ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ( البقرة : 196 ) فاستثنى حاضري المسجد الحرام في إباحة التمتع ، وهذا خطأ لقوله تعالى : ( فَمَنْ تَمَتَعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) ( البقرة : 196 ) وهذا شرط ثم قال : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ ) ( البقرة : 196 ) وهذا جزاء ثم قال : ( ذَلِكَ لِمْنْ لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ( البقرة : 196 ) وهذا استثناء يرجع إلى الدم الذي هو الخبر لا إلى الشرط كقوله : من دخل الدار فأعطه درهماً إلا أن يكون مكياً تقديره فلا تعطيه شيئاً ، ولأن قوله : فمن تمتع بالعمرة إخبار وقوله : فما استيسر من الهدي حكم ، وقوله ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام استثناء ، ولا يجوز أن يرجع الاستثناء إلى مجرد الخبر ، لأنه لا يصح أن يقول : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلا أن يكون من حاضري المسجد الحرام ، فعلم أن الاستثناء راجع إلى الحكم ، وهو الدم فصار تقدير الآية : فمنع تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ، إلا أن يكون من حاضري المسجد الحرام فلا دم عليه ، ولأن كل نسك جاز لأهل الآفاق جاز لأهل مكة كالإفراد ، ولأن كل من جاز له الإفراد جاز له التمتع والقران كأهل الأفاق ، ولأن كل ما لا يكره لغير أهل مكة لا يكره لأهل مكة كسائر العبادات .