الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص458
أحدهما : أن يكون قد بالغ في الاستنشاق .
والثاني : لم يبالغ فإن بالغ فقد أفطر ، ولزمه القضاء لأن ذلك حادث عن سبب مكروه كالإنزال إذا حدث عن القبلة ، وكان بعض أصحابنا البغداديين لا يفرق بين المبالغة وغيرها ، وليس يصح لما ذكرنا فإن لم يبالغ فيه فقولان :
أحدهما : قد أفطر ، ولزمه القضاء وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر الفقهاء ، واختاره المزني ووجهه ما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل رسول الله ( ص ) عن قبلة الصائم فقال : ‘ أرأيت لو تمضمضت ‘ فشبه القبلة بالمضمضة ، ثم كانت القبلة مع الإنزال تفطر ، فكذلك المضمضمة مع الازدراد ، ولقوله ( ص ) في الاستنشاق : ‘ إلا أن تكون صائماً فترفق ‘ خوفاً من إفطاره بوصول الماء إلى رأسه ، ولأن الأسباب الحادثة عن الأفعال تجري مجرى المباشرة لها في الحكم كالجنابة ، يجب القود فيها بالمباشرة ، والسراية فكذلك المضمضة ، والاستنشاق يجب أن يستوي حكم السبب فيهما ، والمباشرة ، ولا ذكره المزني عن قياسه ، على الأكل شاكاً في الفجر .
والقول الثاني : نص عليه في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى ، أنه على صومه ، وبه قال الحسن وأحمد وإسحاق وأبو ثور .
ووجه هذا القول هو أنه مغلوب على هذا الفعل فصار بمثابة من أكره على الأكل ، ولأنه واصل إلى جوفه من غير قصده ، فوجب أن لا يفطر أصله الذباب إذا طار إلى حلقه ، ولأن الفطر يقع تارة بما يصل إلى الجوف ، وتارة بما ينفصل عنه ثم تقرر أن ما ينفصل عنه بلا اختيار كالقيء والإنزال ، لا يفطر ، فكذلك ما وصل إليه من المضمضة بالاختيار ، وهذان القولان في صوم الفرض ، والنفل سواء وحكي عن الشعبي والنخعي وابن أبي ليلى ، وهو قول ابن عباس أنه إن توضأ لنافلة أفطر ، وإن توضا لفريضة لم يفطر ، لأنه في الفريضة مضطر ، وفي النافلة مختار وهذا خطأ من وجهين :
أحدهما : أنه في الطهارتين غير مضطر إلى المضمضة والاستنشاق ، لأنهما سنتان في الطهارتين معاً .
والثاني : أن حكم الفطر في الاضطرار والاختيار سواء لأنه لو أجهده الصوم ، فأكل خوف التلف أفطر ، ولو ابتدأ الأكل من غير خوف أفطر ، فدل على أن لا فرق بين الموضعين والله أعلم .