الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص378
قال الماوردي : اختلف قول الشافعي في الأقوات المدخرة ، هل هي على الترتيب أو على التخيير ؟ فله فيه قولان :
أحدهما : نص عليه في بعض كتبه أنها على التخيير ، والمزكي مخير بين جميعها ، فمن أيها أخرج أجزأه ، لما روي عنه ( ص ) أنه فرض زكاة الفطر صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعيرٍ فجاء بلفظ التخيير ، ولأن زكاة الفطر مواساة والتخيير فيها أيسر والتسوية بين جميعها أرفق ، فعلى هذا من أي قوت أخرجها أجزأه ، وبعض الأقوات أولى من بعض فالتمر والبر أولى من غيرهما ، وفي أولاهما لأصحابنا وجهان :
أحدهما : أن التمر أولى .
وبه قال من الصحابة ابن عمر ومن الفقهاء مالك وأحمد بن حنبل لأن رسول الله ( ص ) كان يخرج ، وعمل أهل المدينة جار به ، وقد روى أبو هريرة أن النبي ( ص ) قال ‘ الكمأة من المن وفي مائها شفاءٌ للعين ، والعجوة من الخير ، وفيها شفاءٌ من السم ‘ .
والوجه الثاني : وقد مال إليه الشافعي أن البر أولى .
وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب عليه السلام .
ومن الفقهاء إسحاق بن راهويه لما روي عن علي رضوان الله عليه أنه قال الآن قد أوسع عليكم فأخرجوا البر ، ولأن التمر مجمع عليه على أنه لا يجزئ منه أقل من صاع ، والبر مختلف فيه ، وكان ما اختلفوا فيه هل يجزي أقل من صاع أم لا ؟ أولى مما أجمعوا على أنه لا يجزي منه أقل من صاع ، ولو قيل : إن أولاهما مختلف باختلاف البلاد لكان مذهباً ، ولكان له في الاعتبار وجه .
والقول الثاني : في الأقل وهو نص الشافعي هاهنا وفي أكثر الكتب أن ذلك على الترتيب دون التخيير ، والاعتبار فيه بغالب القوت ، لقوله ( ص ) ‘ أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم ‘ والإغناء يكون بما يكفيه الإنسان من غالب القوت فلو كان المزكي مخيراً فيه ، لجاز أن يعطيه ما ليس بغالب القوت فلا يستغنى به ، وإذا أعطاه من غالب القوت صار مستغنياً به ، فعلى هذا هل يعتبر غالب قوت بلده أو غالب قوته في نفسه على وجهين :
أحدهما : وهو ظاهر نص الشافعي هاهنا ، وفي ‘ الأم ‘ وبه قال أبو سعيد الأصطخري وأبو عبيد بن حربويه من أصحابنا : أن الاعتبار بغالب قوته في نفسه ، لقوله تعالى : ( مِنْ