پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص310

أحدهما : أن من استوعب دينه ما بيده فليس بغني فلم تجب عليه زكاة .

والثاني : أنه جعل الناس صنفين صنفاً يؤخذ منه وصنفاً تدفع إليه وهذا ممن تدفع إليه فلم يجز أن تؤخذ منه ، وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال في الحرم خطيباً على منبر رسول الله ( ص ) ‘ هذا أشهر زكاتكم ، فمن كان عليه دين فليقضه ثم يزكي بقية ماله ‘ .

وليس يعرف له في الصحابة مخالف ، فكان إجماعاً ، ولأنها عبادة يتعلق وجوبها بالمال ، فوجب أن يكون الدين مانعاً منها كالحج ، ولأن الزكاة مال يملك بغير عوض فوجب أن يكون الدين مانعاً سنة كالميراث لا يستحق ثبوت الدين فيه ولأنه مال يستحق إزالة يده عنه ، فوجب أن لا تجب فيه الزكاة كمال المكاتب ، ولأن الزكاة تجب على من له الدين لأجل المال الذي بيد من عليه الدين ، فلو وجبت في الدين زكاة وفي المال زكاة ، لوجبت زكاتان في مال ، وذلك غير جائز ، كزكاة التجارة والسوم .

والدلالة على صحة القول الثاني عموم قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهمْ صَدَقَةُ تُطَهِّرَهُمْ وتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) ( التوبة : 103 ) وما بيده ماله يجوز فيه تصرفه فوجب أن يستحق الأخذ منه ، وروى علي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ إذا كان معك مائتا درهم فعليك خمسة دراهم وفيما زاد بحسابه ‘ وهو مالك لما بيده فوجب أن يلزمه إخراج زكاته ، ولأن رهن المال في الدين أقوى واستحقاقه بالدين لأن الرهن في الرقبة ، والدين في الذمة فلما لم يكن الرهن في الدين مانعاً من وجوب الزكاة كان أولى ، أن لا يكون مجرد الدين مانعاً من وجوب الزكاة ، ولأن الدين واجب في الذمة ، والزكاة لا تخلو من أن تكون واجبة في العين ، أو في الذمة فإن وجبت في العين لم يكن ما في الذمة مانعاً منها ، كالعبد إذا جنى وفي ذمة سيده دين يحيط بثمنه لم يكن الدين مانعاً من وجوب الأرش في رقبته ، وإن وجبت الزكاة في الذمة لم يكن ما ثبت من الدين أولاً في الذمة مانعاً منها ، كالدين إذا ثبت في الذمة لزيد لم يكن مانعاً من ثبوت دين آخر في الذمة لعمرو وهذا الاستدلال ، يتحرر من اعتلاله قياسان :

أحدهما : أنه حق يتعلق بمال يسقط بتلفه ، فوجب أن لا يمنع الدين من ثبوته كالجناية .

والثاني : أنه حق مال محض فوجب أن لا يكون ثبوت المال بمجرده مانعاً من وجوبه كالدين ، ثم من الدلالة على مالك وأبي حنيفة أن يقول : لأنه حق مال يصرف إلى أهل الصدقات فجاز ، أن يجب على ما استغرق الدين ماله ، كالعشر في الثمرة والزرع ، والجواب عما قاله أما الخبر فلا حجة فيه ، لأن أول دليله ينفي أخذ الصدقة ممن ليس بغني ، وثاني دليله مدفوع بالإجماع على وجود قسم ثالث ، يؤخذ منه ، ويدفع إليه وهو بنو السبيل ،