الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص254
وأما قوله إن الخراج من أحكام الشرك ، والعشر من أحكام الإسلام فغير صحيح على مذهبه لأنه يوجب العشر على الذمي ثم غير صحيح على مذهبنا ، لأن الخراج ليس من أحكام الشرك لجواز أخذه من المسلمين .
وقال أبو حنيفة : على المؤجر مالك الأرض بسببين .
أحدهما : أن العشر مقابلة المنفعة فوجب أن يلزم مالك الأرض كالخراج .
والثاني : أن العشر من مؤن الأرض فوجب أن يختص بمالك الأرض كحفر الآبار وكرى الأنهار والدلالة على فساد ما تفرد به أبو حنيفة من هذا المذهب قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ ) ( البقرة : 267 ) والزرع مخرج للمستأجر فوجب أن يتوجه حق الإنفاق عليه على أنه أمر بالاتفاق من منّ عليه بالإخراج وقال تعالى : ( كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) ( الأنعام : 141 ) فأمر بإيتاء الحق من أباح له الأكل ، والأكل مباح للمستأجر فوجب أن يكون الحق واجباً على المستأجر دون المؤاجر ، ولأنه زرع لو كان لمالك الأرض يوجب عليه العشر فوجب إذا كان ملكاً لغيره أن يكون العشر على مالكه كالمستعير ، ولأنه حق في مال يجب أداؤه عن مال فوجب أن يكون على مالك المال كالخراج ، فأما الجواب عن جمعه بين العشر والخراج فغير صحيح ، لأن الخراج عن رقبة الأرض فوجب على مالكها ، والعشر عن الزرع فوجب على مالكه ، والجواب عن جمعه بين العشر والمؤنة فمثله سواء .
وقال أبو حنيفة بوجوب العشر في زروعه وثماره تعلقاً بعموم قوله ( ص ) ‘ فيما سقت السماء العشر ‘ ولأنه حق وجب لأجل منفعة الأرض فوجب أن يستوي فيه المسلم والكفار كالخراج ، وهذا غلط ولنا في المسألة طريقان :
أحدهما : أن يدل على أن العشر زكاة بقوله في الكرم يخرص كما يخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيباً كما تؤدى زكاة النخل تمراً ، فإذا ثبت أنه زكاة دللنا على أنه لا يجب في مال الذمي بأنه حق مأخوذ باسم الزكاة ، فوجب أن لا يجب على الذمي كسائر الزكوات ، والطريقة الأخرى أنه حق يصرف في أهل الصدقات فوجب أن لا يجب على الذمي كالزكوات ، فأما عموم الخبر فمخصوص بما ذكرنا .