پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص240

فأما الجواب عن قوله تعالى : ( أنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ ) ( البقرة : 267 ) فهي عامة ولا بد من دعوى الإضمار فيها ، فأما أبو حنيفة يقول إلا الفضة ونحن نقول إلا ما يقتات ، وليس أحد الإضمارين أولى من الآخر فتعارضا ، على أن قوله ليس في الخضروات شيء يخصه ، وبهذا الجواب ينفصل عن قوله تعالى : ( وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) ( الأنعام : 141 ) وينفصل عنه أيضاً بجوابين آخرين :

أحدهما : أنه محمول على غير الزكاة من صدقة يتطوع بها يوم الحصاد لأمرين :

أحدهما : أنه أمر بإيتاء حقه ، ولم يقل حق الله منه ، وليس لشيء مما ذكر حق ، وإنما الحق لله تعالى علينا .

والثاني : أنه أمرنا بإخراجه يوم حصاده ، والزكاة لا يجب إخراجها يوم الحصاد إلا بعد الجز والدياس فبهذين الأمرين سقط الاستدلال بظاهر الآية ، فهذا أحد الجوابين .

والجواب الثاني : أنه محمول على الزكاة إلا أنه علق الزكاة بما كان منه محصوداً ، والحصاد غير مستعمل في الأشجار والقثاء والخيار ، فإن قبل الحصاد هو الاستعمال قال الله تعالى : ( جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدينَ ) ( الأنبياء : 15 ) وقال ( ص ) : ‘ أحصدهم حصيداً حتى تلقني على الصفا ‘ وإذا كان الحصد هو الاستئصال صار تقدير الآية وآتو حقه يوم استئصاله ، وهذا لا يختص بزرع من غيره ، قيل : عن هذا جوابان :

أحدهما : أن حقيقة الحصاد في الزروع ، وقد يستعمل مجازاً في غيره ، يقال حصد الزرع وجذّ التمر ، وقطف العنب وجد البقل وجنى الفاكهة قال علي عليه السلام :

( هذا جناي وخياره فيه
إذ كل جانٍ يده إلى فيه )

وقال الشاعر :

( إذا لم يكن فيكن ظل ولا جناً
فأبعدكن الله من شجرات )

والجواب الثاني : أننا وإن سلمنا أن الحصاد هو الاستئصال فلا دلالة في الآية لأن الثمار لا تستأصل بل تترك أصولها وتجنى ثمارها ، وإذا لم يكن ظاهر الآية مستعملاً تكافأ النزاع فيها وسقط الاحتجاج بها ، فأما قوله فيما سقت السماء العشر فجوابه كجواب الآية الأولى فنقول قد رواه معاذ تاماً فقال : وأما البطيخ والقثاء والخضراوات فعفو عفا الله عنها ، فكان هذا مخصصاً لعموم ما تقدم .

وأما قياسه على الحنطة والشعير فالمعنى فيه : أنه مقتات فلذلك وجبت فيه الزكاة ، والخضراوات لما كانت غير مقتاتة شابهت الحشيش والحطب فلم تجب فيها الزكاة .