الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص221
وقال أبو حنيفة والثوري : خرص الثمار لا يجوز احتجاجاً برواية جابر أن النبي ( ص ) نهى عن الخرص ورواية جابر أن النبي ( ص ) نهى عن بيع كل ذي ثمرة بخرصٍ ، قالوا ولأن الخرص تخمين وحدس ، لأن الخارص لا يرجع فيه إلى أصل مقدر ولا يعمل على مثال متقدم ، وإنما يرجع فيه إلى ما يقوي في نفسه ويغلب على ظنه ، وقد يخطئ في أكثره وإن أصاب في بعضه فلم يجز الأخذ به ولا العمل عليه ، قالوا ولأنه لو جاز خرص الثمار ليعلم به قدر الصدقة لجاز خرص الزروع ليعلم به قدر الصدقة ، فلما لم يجز في الزروع لم يجز في الثمار .
وتحريره قياساً : أنه جنس تجب فيه الصدقة فلم يجز تقدير ثمرته بالخرص كالزرع ، قالوا : ولأن خرص الثمار بعد جدادها أقرب إلى الإصابة من خرصها على رؤوس نخلها ، فلما لم يجز في أقربهما من الإصابة لم يجز في أبعدهما ، قالوا ولأن الخرص عندكم يتعلق به حكمان :
أحدهما : العلم بقدر الصدقة وذلك غير موجود ، لأن رب المال لو ادعى غلطاً أو نقصاناً صدق .
والحكم الثاني : تضمين رب المال قدر الصدقة ، وذلك غير جائز من وجهين :
أحدهما : أنه بيع رطب بتمر .
والثاني : أنه بيع حاضر بغائب ، فإذا كان ما يستفاد بالخرص من الحكمين معاً باطلاً ثبت أن الخرص غير جائز .
والدلالة على جواز الخرص ورود السنة به ، قولاً وفعلاً وامتثالاً .
فأما القول فيما رواه الشافعي في صدر الباب عن عتاب بن أسيد أن رسول الله ( ص ) قال ‘ في الكرم يخرص كما يخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيباً كما تؤدى زكاة النخل تمراً ‘ فجعل الخرص علماً لمعرفة الحق ، وجعل لأرباب الأموال أن يودوا زبيباً وتمراً على ما خرج بالخرص ، ولم يجعل ذلك من المال ولا من غيره .
وأما الفعل فما روي أن رسول الله ( ص ) خرص حديقة امرأةٍ بوادي القرى عشرة أوسق فلم تزد ولم تنقص وأما الامتثال فما روي أن رسول الله ( ص ) كان له خراصون مشهورون