الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص406
عن أبي سلمة بن نبيه عن عبد الله بن هارون عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي ( ص ) قال : ‘ تجب الجمعة على كل من سمع النداء ‘ . وهذا نص فيمن كان خارج المصر ؛ لأن سماع النداء في أهل المصر غير معتبر ، فإن قيل الخبر موقوف على عبد الله بن عمرو بن العاص ، غير مسند إلى رسول الله ( ص )
قلنا : أبو داود رواه عن سفيان موقوفاً على عبد الله بن عمروا بن العاص وقد أسنده قبيصة وهو ثقة ، والخبر عندنا إذا رواه راو تارة موقوفاً وتارة مسنداً ، حمل الموقوف على فتواه وحمل المسند على روايته
ويدل على ذلك أيضاً ما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ لينتهين أقوام يسمعون النداء فلا يحضرون الجمعة أو ليطبع الله تعالى على قلوبهم ‘ . ولأن أبا حنيفة خالف إجماع الصحابة رضي الله عنهم ؛ لأن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : الاعتبار بسماع النداء وابن عمر وأبا هريرة وأنس قالوا : إن الاعتبار بالإيواء إلى الوطن . ولم يرو عنهم غير هذا . والصحابة إذا أجمعت على قولين في مسألة فإحداث قول ثالث محرم ، كما إذا أجمعوا على قول واحد كان إحداث قول ثان محرماً ، ولأنه متمكن من سماع النداء مع ارتفاع العوارض ، فوجب أن تلزمه الجمعة كأهل المصر ، ولأنها صلاة مفروضة فلم يختص بها أهل الأمصار كالظهر ، ولأنها عبادة على البدن شرط فيها الحرية ، فجاز أن يشترط فيها قطع مسافة كالحج
فأما الجواب عن قوله ‘ لا جمعة إلا على أهل مصر جامع ‘ فهو مروي عن علي رضي الله عنه وموقوف عليه ، ولو صح مسنداً لحمل على من لم يسمع النداء ، وخص بقوله ( ص ) ‘ الجمعة على كل من سمع النداء ‘ لأنه عام ، وهذا خاص منه
وأما قولهم أنه ( ص ) لم يأمر أهل العوالي والسواد بها فبهت مع نص كتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله ( ص ) ؛ لأن الله تعالى قد أمرهم بها بقوله تعالى : ( فاسعوا إلى ذكر الله ) [ الجمعة : 9 ] ورسول الله ( ص ) قد ندبهم إليها في قوله ( ص ) : ‘ تجب الجمعة على كل مسلم ‘
وأما قياسهم فالمعنى في أصله : أنه لم يبلغهم شعار الجمعة . وأما قولهم لما بطل اعتبار النداء في البلد بطل اعتباره خارج البلد وهو نداء الجامع فلا يعتبر في أهل البلد ولا في الخارجين عنه ، والنداء الذي اعتبرناه خارج البلد اعتبرناه في البلد هو النداء في كل موضع منه فاستويا