الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص321
وبين العمل للمخلوقين ، ولم يرد به الإشراك الذي هو الكفر ، كما وهم بعض أصحابنا وأفتى بشركه وإباحة دمه ، فأخرجه عن الملة بوهمه ، ولم يفهم معنى قوله وكيف يكون مشركاً بالانتظار وقد استحبه له كثير من الفقهاء ، وكان أصحابنا البصريون يخرجون القولين في الاستحباب وليس بصحيح ؛ وإنما القولان في الكراهة ، فإذا قيل بقوله في القديم : فوجهه ما رُوي عن النبي ( ص ) أنه صلى وأجلس الحسن عند قدميه ، فلما سجد ركب الحسن على ظهره ، فأطال السجود ، فلما فرغ قيل له أطلت السجود . فقال ( ص ) : ‘ إن ابني ركبني فأطلت السجود ليقضي وطره ‘ . فلما استجاز بطويله ليقضي الحسن عليه السلام وطره جاز انتظار الداخل ليدرك فضيلة الجماعة ، ولأن رسول الله ( ص ) صلى صلاة الخوف ب ‘ ذات الرقاع ‘ وانتظر الطائفة الأولى قائماً في الركعة الثانية من صلاته ليتم صلاتها ، ثم انتظر الطائفة الثانية جالساً في الركعة الثانية ، ليتم صلاتها ثم يسلم بها ، فلما انتظر الطائفتين في موضعين دل على جواز الانتظار لإدراك فضل الجماعة وأنه غير مكروه
وإذا قيل بقوله في الجديد فوجهه قوله ( ص ) : ‘ من أم قوماً فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة ‘ . وفي انتظاره تطويل على من خلفه وتثقيل ، ولأنه يسقط خشوعه بانتظاره وتوقع مجيئه ، وإتيان ما يسقط الخشوع مكروه ؛ ولأن انتظاره ليدرك الصلاة معه يدعوه إلى ترك المبادرة والتواني عن الإسراع إلى الجماعة ، وإذا لم ينتظره تخوف فوت الجماعة فارتدع عن الإبطاء وانزجر عن التواني فكانت المصلحة فيه أتم ، ولأنه لو أقيمت الصلاة لم يحل للإمام انتظار من لم يحضر ، لا يختلف فيه المذهب فلأن لا يجوز الانتظار في وسط الصلاة أولى :
قال الماوردي : وهذا صحيح
أما العبد فلا تكره إمامته ، قال الشافعي لا أوثرها ولا أكرهها ، ولا أوثر إمامته على غيره ولا أكره إمامته وأوثر غيره عليه ، يريد أن إمامة الأعمى والبصير في عدم الكراهة سواء ، غير أن إمامة البصير أفضل ، ولو كانت إمامة الأعمى لا تكره ، وحكى عن قوم منهم ابن سيرين وربما أضيف إلى أنس بن مالك أنهم كرهوا إمامة الأعمى ، لأمرين :
أحدهما : أنه لا يكاد يتوقى الأنجاس
والثاني : أنه لا يقوم على صواب جهة القبلة حتى يقام عليها ويصوب نحوها ، فاعتوره النقص بهذين