الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص60
رسول الله اجعلني إمام قومي فقال : ‘ أنت إمامهم فاقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ‘ . ولأن ما بيد الإمام مرصد لوجوه المصالح الماسة ، فإن لم يجد متطوعا بالأذان فلا بأس أن يعطي عليه رزقا ، ومنع أبو حنيفة منه ، ومن سائر القرب أن يؤخذ رزق عليها ، والكلام معه يأتي في موضعه من كتاب ‘ الحج ‘ غير أن من الدليل على حسب ما يقتضيه ها هنا ما روي أن عثمان – رضي الله عنه – رزق مؤذنه ، ولأن ما بيد الإمام مصروف في وجوه المصالح ، وهذا منها ، وإذا كان كذلك فلا يجوز أن يعطي المؤذن أجرة ، وإنما يجوز أن يعطيه رزقا ، لأن أعمال القرب تنقسم ثلاثة أقسام ، قسم لا يجوز أن يفعل عن الغير ولا يعود عليه نفعه ؛ كالصلاة ، والصيام ، فلا يجوز أن يؤخذ عليها أجرة ، وقسم يجوز أن يفعل عن الغير ، كالحج فيجوز أخذ الأجرة عليه بعقد الإجارة ، وقسم لا يجوز أن يفعل عن الغير لكن قد يعود نفعه على الغير ، كالأذان ، [ والإقامة ] ، والقضاء ، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه ، ويجوز أخذ الرزق عليه ، كالجهاد – والله أعلم – .
قال الماوردي : وهذا كما قال رزق المؤذن والإمام ، والقاضي يكون من أموال المصالح ، والمال المعد للمصالح هو خمس الخمس من الفيء والمغانم سهم النبي ( ص ) فإنه مرصد لمصالح المسلمين العامة فأما أربعة أخماس الغنيمة ، فلا يجوز أن يعطوا منها ، لأنها مال الغانمين ، وأما أربعة أخماس الفيء ، فعلى قولين :
أحدهما : أنها للجيش خاصة فلا يجوز أن تصرف في غيرهم .
والثاني : أنها لمصالح المسلمين العامة فعلى هذا القول يجوز أن تصرف في أرزاق المؤذنين ، والأئمة ، والقضاة ، وأما أموال الزكاة ، والكفارات فذلك لمستحقيها من الفقراء ، وأهل السهم المذكورين لها لا يجوز أن تصرف في غيرهم .