الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص31
وحكى جمهور أصحابه أنها تجب بآخر الوقت ، واختلف أصحابه على هذا المذهب . فحكى بعضهم عنه أنها تكون نفلا تمنع من وجوب الفرض ، وحكى بعضهم : أنها تكون موقوفة مراعاة ، فإن بقي على صفة المكلفين إلى آخر الوقت تيقنا أنها كانت فرضا وإن زال عن صفة التكليف تبينا أنها كانت نفلا ، وهكذا قال في تعجيل الزكاة ، واختلف أصحابنا في تأخيرها عن أول الوقت إلى آخره هل يجب أن يكون مشروطا بالعزم على فعلها فيه ؟ على وجهين :
أحدهما : لا يلزم اشتراط العزم فيه ولا يقضي بتأخيرها من غير عزم .
والثاني : يلزم اشتراط العزم في تأخيرها لإباحة التأخير على صفة الأول قبل العزم فإن أخرها من غير عزم على فعلها في آخر الوقت كان عاصيا ، وإن كان لها مؤديا ، وقد اختلف أصحابه إذا بقي منه قدر الإحرام إلا زفر بن الهذيل ، فإنه قال : تجب إذا بقي من الوقت قدر تلك الصلاة ، فإن صح في أول الوقت استدلالا بأن ما وجب في زمان لم يجز تأخيره عن ذلك الزمان ، كصيام رمضان ، وما جاز تأخيره عن زمان لم يجب في ذلك الزمان ، كقضاء رمضان ، فلما جاز تأخير الصلاة عن أول الوقت إلى آخره دل على أنها لا تجب بأول الوقت وتجب بآخره ، ولأن وقت الصلاة كالحول في الزكاة ، لأنه يجوز تقديم الصلاة في أول الوقت وتأخيرها إلى آخره كما يجوز تعجيل الزكاة في أول الحول وتأخيرها إلى آخره ، ثم ثبت أن الزكاة تجب بآخر الحول لا بأوله ، وكذلك الصلاة يقتضي أن تجب بآخر الوقت لا بأوله .
ودليلنا قول جبريل للنبي ( ص ) حين بين له في اليومين أول الوقت وآخره بين هذين وقت – يعني – وقت الوجوب والأداء ، لأنه قصد بيان الأمرين ، ولأنها من عبادات الأبدان المحضة ، فوجب أن يكون وقت فعلها المتبوع وقتا لها في الوجوب ، كالصيام ، ولأن كل وقت كان المصلي فيه مؤديا كان الفرض به واجبا كآخر الوقت ولا يدخل عليه الجمع ، لأنه يقوم مقام الأداء ، وليس بأداء على الإطلاق ، ولأن ما يستفاد بالوقت من أحكام الصلاة شيئان ، الوجوب والأداء فلما كان آخر الوقت يتعلق به الحكمان معا ، فأول الوقت أولى أن يتعلق به الحكمان معا ، لأن أوله متبوع ، وآخره تابع ، ولأن الوجوب أصل ، والأداء فرع ، فلما كان أول الوقت يتعلق به الأداء وهو فرع لم يجز أن ينتفي عنه الوجوب الذي هو أصل .
فأما الجواب عن استدلال الأول بجواز التأخير فهو : إن ترك الصلاة في أول الوقت إنما هو وقت إلى بدل وهو فعلها في ثاني وقت وترك الشيء إلى بدل لا يدل على أنه ليس بواجب ، كالكفارة الواجبة فيها أحد الثلاثة ، ثم لم يدل ترك أحد الثلاثة إلى غيره على أنه ليس بواجب ، كذلك الصلاة على أن من أصحابنا من قال الواجب على ضربين .
موسع الوقت ، ومضيق الوقت فما ضيق وقته فحده ما ذكروه ، وما وسع وقته فليس حده