الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص411
النبي ( ص ) أمر المستحاضة أن تغتسل من ظهر إلى ظهر بالظاء معجمة ، يريد به ما وصفنا من مستحاضة ذكرت أنها كانت تغتسل عند الظهر فأمرها بالغسل في ظهر كل يوم ، وكان بعضهم يرويه من طهر إلى طهر بالطاء غير معجمة ، عند تقضي الحيض ، وإقبال الطهر ، ولكل رواية منهما وجه ، وهي في موضعها دليل ، وإن لم يذكر وقت غسلها حين كان ينقطع دمها ، ونسيت فعليها أن تغتسل لكل صلاة وتصبر إلى آخر وقتها لجواز أن يكون ذلك وقت انقطاع حيضها ويكون الغسل في آخره في الوقت الذي لا يمكنها بعد الغسل إلا فعل الصلاة لجواز أن ينقطع دمها في آخره فلا يجزئها ما قدمت في أوله من الغسل والصلاة ، وقد روى سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : استحيضت حمنة بنت جحش ، فقال لها النبي ( ص ) : ‘ اغتسلي لكل صلاةٍ ‘ فهذا الكلام في طهارتها .
فأما الصلاة فقد اختلف أصحابنا فيها فالذي عليه جمهورهم أنها تصلي في آخر كل وقت من أوقات الصلوات صلاة واحدة ، لجواز أن تكون فيه طاهراً ، ولا يلزمها إعادتها ؛ لأنها إن كانت طاهراً فقد أدتها في وقتها ، وإن كانت حائضاً لم يلزمها قضاؤها ، وقال ابن سريج : عليها أن تعيد الظهر والعصر عند غسل المغرب ، وتعيد المغرب وعشاء الآخرة عند غسل الصبح ، قال : لأنه يجوز أن ينقطع دمها قبل المغرب بركعة فتجب عليها صلاة الظهر والعصر ولا يجزئها صلاتها من قبل ، وكذلك قبل الفجر بركعة فيلزمها المغرب وعشاء الآخرة ، وكلا المذهبين عندي مدخول ؛ لأنها بالشك في الحيض ملتزمة لصلاة الوقت مأخوذة بأدائها على اليقين ؛ لأن الفرض الثابت في الذمة لا يسقط بالشك في الأداء ، وهي إذا صلت في أول الوقت جاز أن يكون الطهر في أوله وإذا صلت في وسط الوقت جاز أن يكون الطهر في أحد طرفيه فيه فلم ينتقض فعل الصلاة الواحدة في شيء من وقتها ، إنها مؤدية لها بيقين ، والصحيح أنها تترك تنزيلين هما أغلظ أحوالها في التزام فرض الوقت ، وصفة أدائها أحد التنزيلين أن يستديم الطهر إلى دخول وقت الصلاة وإمكان أدائها ثم تحيض في باقيه فتلزمها الصلاة في أول وقتها بالوضوء دون الغسل ؛ لأنه آخر طهرها .
والتنزيل الثاني : أن يستديم الحيض إلى دخول وقت الصلاة ثم تطهر في باقيه فتلزمها الصلاة في آخر الوقت بالغسل دون الوضوء ؛ لأنه أول طهرها ؛ فحصل من هذين التنزيلين أنه يلزمها إذا دخل وقت صلاة الظهر أن تصلي في أول وقتها بالوضوء دون الغسل لجواز أن يكون آخر طهرها ثم تصلي في آخر الوقت صلاة ثانية بالغسل لجواز أن يكون أول طهرها