إنا آن فيستيقن أن أحدهما نجس والآخر لم ينجس تأخى ‘ فجعل السفر شرطاً في جواز الاجتهاد ولا يكون السفر شرطاً إلا لعدم ما سوى ذلك من الماء .
والوجه الثاني : أنه يجوز له أن يجتهد ، لأن أكثر أحواله في الاجتهاد أن يكون مستعملاً بماء طاهر في الظاهر مع وجود ماء طاهر بيقين ، وذلك جائز ؛ ألا ترى لو استعمل من إناء على شاطئ نهر أو بحر ، جاز ، وإن كانت طهارته من طريق الطاهر ، وقد يجوز أن يكون نجساً بولوغ كلب ، أو غيره ، ولا يلزمه أن يستعمل ماء البحر ، وإن كان على يقين الطهارة ، قال صاحب هذا الوجه واشتراط الشافعي السفر إنما هو لوجوب الاجتهاد لا لجوازه .
( فصل )
: ويتفرع على هذين الوجهين : إذا كان معه إناءان أحدهما ماء طاهر مطهر ، والآخر ماء مستعمل لم يلزمه أن يجتهد ؛ لأنه إذا استعملهما أدى فرض طهارته بيقين فإذا أراد الاجتهاد فيهما ، نظر ، فإن كان مضطر إلى شرب أحدهما جاز الاجتهاد فيهما ؛ لأن لا يقدر علم على استعمالهما ، وإن لم يضطر إلى شرب أحدهما ، ففي جواز اجتهاده فيهما وجهان كما مضى :
أحدهما : لا يجوز أن يجتهد إذا قيل إن من تيقن ماء طاهراً لم يجتهد .
والثاني : يجوز أن يجتهد إذا قيل إن من تيقن ماء طاهراً جاز أن يجتهد .
( فصل )
: فأما إذا كان معه إناءان أحدهما ماء والآخر ماء ورد ، فإن لم يحتج إلى شرب أحدهما لم يجز أن يجتهد ، ولزمه استعمالهما وجهاً واحداً بخلاف المستعمل ؛ لأن ماء الورد لا مدخل له في التطهير فلم يجز الاجتهاد فيه كالماء والخمر ، ولزمه استعمالهما ؛ لأنهما طاهران بخلاف الماء والخمر ، وإن كان محتاجاً إلى شرب أحدهما جاز أن يجتهد فيهما لأجل الشرب ، لا لأجل الطهارة ؛ لأن الشرب يختص بالطهارة وحدها ، وهما طاهران فجاز الاجتهاد فيهما ؛ لأجل الشرب لاستوائهما في الطهارة فلم يجز الاجتهاد فيهما ؛ لأجل الطهارة ؛ لأنهما يختلفان في التطهير ، واجتهاده لأجل الشرب وأن يتاخي فيهما أيهما ماء الورد ليشربه ، فإذا أداه اجتهاده إلى أن أحدهما ماء الورد أعده لشربه ، بقي الآخر وقد خرج بالاجتهاد عن أن يكون ماء ورد فحكم بأنه ماء فجاز أن يستعمله فهذا فرق بين الاجتهادين .
( فصل )
: فأما إذا كان معه إناءان يتيقن طهارة أحدهما ، ونجاسة الآخر ، وقد اشتبها فانقلب أحدهما أو أراقه ففي الباقي وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي العباس هو طاهر ؛ لأنه ماء مشكوك في نجاسته فرد إلى أصله في الطهارة ، فيستعمله من غير اجتهاد .
والوجه الثاني : وهو قول جمهور أصحابنا أنه لا يجوز أن يستعمله حتى يجتهد فيه ،