الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص341
على ما مضى من اعتبار قلته وكثرته ، فإن كان قلتين فصاعداً كان مد الفضاء طاهراً ، وكذلك ما ينتهي إليه من الماء الجاري طاهر أيضاً قبل اتصاله به وبعده ، وإن كان ماء الفضاء دون القلتين فهو نجس ، والماء الجاري قبل اتصاله بماء الفضاء طاهر فإذا اتصل به صار نجساً ولم يجز استعماله ، ولو لم يغب فيه ويختلط به اعتباراً بما ذكرنا من التعليل بالاتصال دون الاختلاط ، وإن كانت النجاسة قائمة في الماء فعلى ضربين :
أحدهما : أن ينسكن بها الماء ويقف عندها .
والثاني : أن لا ينسكن بها ويكون على جريته فإن انسكن الماء بها ووقف عندها كان ما فوقها من الماء الجاري طاهراً ما كان على جريته ، وكان ما وقف عندها من الماء ، وانقطعت جريته في حكم الماء الراكد ، فإن كان قلتين كان طاهراً وإن كان دونه كان نجساً ، وكان ما انحدر عنها من الماء نجساً ، وفي حكم الراكد ، وسواء كان ما وقف عندها من الماء محكوماً بطهارته لكثرته أم لا ؟ وإن كان الماء يمر بالميتة على جريته لا يقف عندها ، ولا ينقطع من جريته بها فلا يخلو حالها من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون في غزر الماء كله من علوه إلى قراره فليس يجوزها شيء من الماء لم يمسها فإذا كان كذلك فما كان فوقها من الماء ما لم تنته جريته إليها طاهر ما تحتها نجس ، وفي حكم الماء الراكد وإنما كان ما فوق النجاسة من الماء الجاري طاهراً ما لم ينته إليها استشهاداً بما أجمعوا عليه من أن إبريقاً لو صب من بزاله ماء على نجاسة كان الماء الخارج من البزال طاهراً ما لم يلاق النجاسة ، وإن كان جارياً إليها كذلك كما جرى إلى نجاسة .
والقسم الثاني : أن تكون النجاسة راسبة في أسفل الماء وغزاره فليس تمر بها الطبقة العليا من الماء وإنما تمر بها أسفل ، فالماء طاهر ما لم ينته إليها فإذا انتهى إليها كانت الطبقة السفلى من الماء نجسة لمرورها على النجاسة واختلف أصحابنا في نجاسة الطبقة العليا على وجهين :
أحدهما : أنها طاهرة ؛ لأنها لم تجر على النجاسة ولا لاقتها فصار كالماء المتقدم عليها .
والوجه الثاني : أنها نجسة أيضاً ؛ لأن جرية الماء إنما تمنع من اختلاطه بما تقدم وتأخر ، فأما ما علا منه وسفل من طبقاته فهو بالراكد أشبه ، والراكد يتميز حكم أعلاه وأسفله في الطهارة والنجاسة .
والقسم الثالث : أن تكون النجاسة طافية على رأس الماء ولا تنتهي إلى قراره ، فليس يمر بها إلا أعلى الماء دون أسفله ، فالماء طاهر ما لم ينته إليها فإذا انتهى إليها كانت الطبقة