الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص332
عنه كسائر الأنجاس ، ولأن مذهبهم يفضي إلى ما يدفعه المعقول من تنجيس الماء الكثير ، إذا ضاق مكانه وتطهير القليل إذا اتسع مكانه وكثير الماء أدفع للنجاسة من قليله .
فأما الجواب عما استدل به مالك من قوله : ‘ خلق الماء طهوراً ‘ فهو أنه محمول على الماء الكثير ؛ لأنه سببه بئر بضاعة ولو كان عاماً لخصصناه بما ذكرنا ، وأما الجواب عن قياسه على القلتين فهو أن المعنى في الكثير تعذر صونه عن النجاسة ، وقلة التحرز من حلولها فيه ، وأما الجواب عن جمعه بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء ففرق من وجهين : شرع ومعنى .
وأما الشرع فأمره ( ص ) بإراقة ولوغ الكلب ، وقد يطهر بدون ما فيه ، وأما المعنى فهو أن تنجيس الماء بوروده على النجاسة مؤدٍ إلى أن لا تزول نجاسته عن محل إلا بقلتين ، وهذا شاق فسقط ، وتخمير ما دون القلتين من الماء من حلول النجاسة فيه غير شاق فلزم ، وصار ما دون القلتين ينجس بورود النجاسة عليه ، لأن حفظه منها بتخمير الإناء ممكن ، وصار وروده على الماء اضطراراً فلم ينجس .
وأما الجواب عما استدل به أبو حنيفة من الخبر فهو أنه نص في النهي عن البول في الماء الدائم وليس فيه دليل على نجاسته به .
فإن قيل : لو لم يكن ذلك مفضياً إلى تنجيسه ، لم يكن للنهي فائدة .
قلنا : التماس فائدة النهي اعتراف بأن لا دليل في ظاهره على فائدة النهي الخوف من تغيير الماء بكثرة البول فيصير بالتغيير نجساً .
وأما الجواب عن نزح ابن عباس زمزم من زنجي مات فيها فمن وجوه ذكرها الشافعي :
أحدها : أنه قال إن زمزم عندنا بمكة ونحن أعرف بأحوالها ، ولا يعرف أحد من علماء مكة أن ابن عباس نزحها ، وقد حكي عن سفيان أن ابن الزبير نزحها فغلبه الماء لكثرته .
والجواب الثاني : أنه يجوز ، لو صح الحديث أن يكون نزحها لظهور دم الزنجي فيها .
والجواب الثالث : أن يكون نزحها تنظيفاً لا واجباً ، ألا ترى إلى ما روي عنه أنه قال : أربعة لا تنجس ، الماء والثوب والأرض وابن آدم .