الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص81
والثاني : وهو قول الجمهور أنه سماهم نجسا ، لأنهم لا يغتسلون من الجنابة فصاروا لما وجب عليهم الغسل كالنجاسة التي يجب غسلها لا أنهم في أبدانهم أنجاس .
فإذا ثبت طهارة المشركين فهم على ثلاثة أضرب . [ الأول ] : ضرب منهم يرون اجتناب الأنجاس كاليهود والنصارى واستعمال مياههم والصلاة في ثيابهم جائزة .
و [ الثاني ] ضرب منهم لا يرون اجتنابها ولا يعتقدون العبادة في استعمالها كالدهرية ، والزنادقة فيجوز استعمال مياههم والصلاة في ثيابهم ، لأن الأصل فيها الطهارة ، ونكرهها خوفا من حلول النجاسة .
والضرب الثالث : أن لا يجتبنوها ويرون العبادة في استعمالها كالبراهمة من الهند ، وطائفة من المجوس يرون استعمال الأبوال قربة ، فاستعمال مياههم جائز ، وإن كان مكروها ، وأما الصلاة في ثيابهم ، فيجوز فيما لم يلبسوه كثيرا كاليوم أو بعضه ، وأما ما كثر لباسهم لها حتى طال زمانهم فيها ، ففي جواز الصلاة فيها وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، لا يجوز الصلاة فيها ، ومن صلى فيها فعليه الإعادة ، لأن الغالب فيها حلول النجاسة كالمسلم الذي لا يخلو لباسه إذا طال عليه من حلول الماء فيه ، لأنه يستعمله عبادة فلم ينفك منه .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن الصلاة فيها جائزة وإن كرهت لأن الأصل فيها الطهارة ، فلم يجز أن يحكم نجاستها بالشك ، وأشد ما يكره من ثياب من لا يجتنب الأنجاس الميارز والسراويلات ، فأما أواني المشركين ، فمن كان منهم لا يرى أكل لحم الخنزير جاز استعمال أوانيهم ، ومن كان يرى أكله ، ففي جواز استعمالها إذا طال استعمالهم لها وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق لا يجوز ، لأن الظاهر نجاستها ، وقد روى أبو قلابة ، عن أبي ثعلبة الخشني قال : سألت رسول الله ( ص ) فقلت : إنا بأرض أهل الكتاب ، وأنا محتاج إلى آنيتهم ، فقال : فارحضوها بالماء ثم اطبخوا فيها .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن استعمالها جائز ، وإن كرهت اعتبارا بالأصل في طهارتها ، وإسقاطها بحكم الشك في نجاستها غير مستحب . والله أعلم .