الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص51
أن لو كنت معه ، قال : فقلت : إن الناس يقولون إنك كنت معه ، قال فقدنا رسول الله ( ص ) ذات ليلة ، فقلنا : اغتيل أو استطير فبتنا بشر ليلة بات لها أهلها فلما أصحبنا أقبل من ناحية حراء وذكر أن داعي الجن أتاه .
فتعارضت الرواية فسقطتا .
فإن قيل : فخبرنا مثبت وخبركم ناف والمثبت أولى .
قيل : هما سواء فخبركم ثبت كون عبد الله مع النبي عليه السلام وينفي كونه مع الصحابة ، وخبرنا يثبت كونه مع الصحابة وينفي كونه مع النبي ( ص ) .
والجواب الثالث : تسليم الخبر والانفصال عنه بأحد وجهين إما بأنه منسوخ بآية التيمم ، لأن ليلة الجن كانت بمكة ، وآية التيمم نزلت بعد الهجرة ، وأما بأن يستعمل في ما نبذ فيه التمر ليحلوا لأن قوله تمرة طيبة وماء طهور تقتضي ذلك تمييزا أحدهما من الآخر ويكون معنى قول ابن مسعود إن معي نبيذا ، يعني : ما يصير نبيذا ، وبمعنى قد نبذ فيه تمرا .
فإن قيل : فيحمل قول النبي ( ص ) ‘ تمرة طيبة وماء طهور ‘ على أنه كان تمرا وماء طهورا .
قيل : إذا لم يكن بد من حمل أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز كان قول النبي ( ص ) أولى أن يكون محمولا على الحقيقة من قول ابن مسعود كذا يجاب عن حديث ابن عباس بأنه قد نبذ فيه ، لأنه نبيذ مشتد .
وأما الجواب عن روايتهم عن استعمال علي وابن عباس رضي الله عنهما له فهو أنه ليس عن توقيف ، ولو كان لنقلوه ، وليس يمنع أن يكون لا حتما دراية إن صح النقل عنهما .
وأما الجواب عن قولهم : ‘ إن في النبيذ ماء سهو ‘ هو جهل من قائله من وجهين :
أحدهما : أنه ماء وانتقل عنه لأن اسم الماء في اللغة لا ينطلق عليه ، ولو جاز أن ينطلق اسم الماء عليه لأنه لو كان ماء لكان الخل أحق ، لأنه طاهر باتفاق .
والثاني : أنه لو كان فيه ماء مطلق لاستوى حكمه وحكم الماء المطلق ، وهما مفترقان في الاسم والحكم .
وأما الجواب عن قياسهم بأنه مائع سمي في الشرع طهور فغير مسلم ، لأن النبي ( ص ) قال : ‘ تمرة طيبة وماء طهور ‘ فوصف الماء بأنه طهور ثم المعنى في الماء أنه لما جاز استعماله في الحضر جاز استعماله في السفر ، ولما لم يجز استعمال النبيذ في الحضر لم يجز استعماله في السفر .