الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص22
عن رسول الله ( ص ) تقليدا لقيام الدليل على صدقه ؛ وهذا غير صحيح ، لأن ما أمر به ونهى عنه لا يسأل عن دليل فيه ، وهذه صفة التقليد ، ولكن اختلف أصحابنا في الأحكام المأخوذة عنه هل يجوز أن يأمر بها اجتهادا أم لا ؟
فقال بعضهم : يجوز له الاجتهاد فيها ، لأن الاجتهاد فضيلة تقتضي الثواب فلم يجز أن يكون النبي ( ص ) ممنوعا منها .
وقال آخرون : لا يجوز له الاجتهاد وإنما يشرع الأحكام بوحي الله تعالى وعن أمره لقوله تعالى : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) [ النجم : 3 ، 4 ] .
واختلفوا أيضا هل لأهل الاجتهاد في عصره أن يجتهدوا في الأحكام أم يلزمهم سؤاله ولا يجوز لهم الاجتهاد ؟ على ثلاثة مذاهب :
أحدها : يجوز لهم الاجتهاد لقوله ( ص ) لمعاذ : ‘ بما تحكم ؟ قال : بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد ؟ قال : بسنة رسول الله . قال : فإن لم تجد ؟ قال : أجتهد رأيي ، فقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله ( ص ) لما يرضي رسول الله ‘ .
والمذهب الثاني : لا يجوز لهم الاجتهاد ، لأن الاجتهاد يجوز مع عدم النص ، والنص ممكن في عصره بسؤاله .
والمذهب الثالث : يجوز لمن بعد ، ولا يجوز لمن قرب منه ، لإمكان السؤال على من قرب ، وتعذره على من بعد .
وأما الصنف الثاني وهم المخبرون عنه فتقليدهم فيما أخبروا به ورووه عنه واجب إن كان المخبر واحدا ، وقال بعض الناس ممن لا يقول بأخبار الآحاد : إني لا أقبل إلا خبر اثنين حتى يتصل ذلك برسول الله ( ص ) ، لأنه عليه السلام لم يعمل على خبر ذي اليدين في سهوه في الصلاة حتى سأل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، ولم يعمل أبو بكر على خبر المغيرة في إعطاء الجدة السدس حتى أخبره محمد بن سلمة . وهذا خطأ ، لأن الصحابة قد عملت على خبر عائشة في التقاء الختانين وعمل عمر على خبر حمل بن مالك في دية الجنين ، وليس فيما ذكروه من العدول عن خبر الواحد دليل على العدول عن خبر كل واحد ، فإذا ثبت أن خبر الواحد مقبول فلا يجوز العمل به إلا بعد ثبوت .
وقال أبو حنيفة : إذا علم إسلامه جاز العمل بخبره ، وقبول شهادته من غير سؤال عن عدالته ، لأن الأعرابي لما أخبر رسول الله ( ص ) برؤية الهلال ، فقال : ‘ أتشهد أن لا إله إلا