الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص21
وفي هذا تعطيل الشريعة وذهاب العلم ، فكذلك ما وجب الاجتهاد على من نفع به كفاية ليكون الباقون تبعا ، ومقلدين . قال الله تعالى : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) فلم يسقط الاجتهاد عن جميعهم ولا أمر به كافتهم .
قسم فيمن لا يجوز تقليده .
وقسم فيمن يجوز تقليده .
وقسم يختلف باختلاف حال السائل والمسؤول .
فأما من لا يجوز تقليدهم فهم العامة الذين عدموا آلة الاجتهاد ، فلا يجوز تقليدهم في شيء من أحكام الشرع ، لأنهم بعدم الآلة لا يفرقون بين الصواب والخطأ ، كالأعمى الذي لا يجوز للبصير أن يقلده في القبلة ، لأنه بفقد البصر لا يفرق بين القبلة وخطئها . فلو أن رجلا من العامة استفتى فقيها في حادثة فأفتاه بجوابها فاعتقده العامي مذهبا لم يجز له أن يفتي به ، ولا لغيره أن يقلده فيه ، وإن كان معتقدا له ، لأنه غير عالم بصحته ، ولكن يجوز له الإخبار به . فلو علم حكم الحادثة ودليلها ، وأراد أن يفتي غيره بها فقد اختلف أصحابنا هل يجوز له تقليده فيها ؟ على ثلاثة مذاهب :
أحدها : يجوز لأنه قد وصل إلى العلم به بمثل وصول العالم إليه .
والمذهب الثاني ، وهو أصح : لا يجوز ؛ لأنه قد يكون هناك دلالة تعارضها هي أقوى منها .
والمذهب الثالث : أنه إن كان الدليل عليها نصا من كتاب الله تعالى أو سنة جاز تقليده فيها واستفتاؤه في حكمها ، وإن كان نظرا أو استنباطا لم يجز .
وأما من يجوز تقليدهم فهم أربعة أصناف :
أحدها : النبي ( ص ) فيما شرعه وأمر به .
والصنف الثاني : المخبرون عنه فيما أخبر به .
والصنف الثالث : المجمعون فيما أجمعوا عليه .
والصنف الرابع : الصحابة فيما قالوه وفعلوه .
فأما الأول وهو النبي ( ص ) فتقليده فيما شرعه وأمر به واجب لقوله تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) [ الحشر : 7 ] . ومنع أصحابنا من أن يكون المأخوذ