جواهرالکلام فی شرح شرایع الاسلام-ج30-ص208
لم يقع إلا عن التزويج بغير إذن الذي هو العنوان في كلام الفقهاء، فالمراد من العصيان حينئذ هو الوقوع بغير إذن، ولا شك أن العمومات تقتضي صحته، بل المفروض فيما إذا كان هناك دليل شرعي يقتضي الصحة، وحينئذ يكون معنى قولهعليه السلام: (لم يعص الله) أن فعل العبد موافق لقول الله الذي يقتضي الصحة، غاية ما في الباب أنه وقع بغير إذن السيد، فلو كان السيد هو المعقود له بغير إذنه تكون الاجازة له فكذا العقد على عبده، لاتحاد دليل الصحة ومقتضاها، فالخبر حينئذ دال على عدم الاقتضاء كما عليه المعظم، ولو أريد من العصيان ظاهره لم يصح الحكم بأنه (لم يعص الله) إلى آخره، بل كان الامر بالعكس، إذ المفروض أنه لم يقع منه نهي، وانما عصى الله في عقده بدون إذن سيده، لنهيه عن ذلك بدون إذن مولاه – بأن العصيان انما يستعمل في مخالفة الحكم الشرعي، وإطلاقه على مخالفة الحكم الوضعي كمخالفة الصحة غير معهود، وإنما المعهود فيه إطلاق الفساد والبطلان مع أن الحمل عليه لا يستقيم في قوله عليه السلام: (وإنما عصى سيده) إذ ليس للسيد قول يقتضى الصحة حتى يكون فعل العبد مخافا له.
وحمل العصيان هنا على حقيقته مع إرادة المعنى المذكور في قوله عليه السلام: (لم يعص) تفكيك ركيك لا يلائمه الحصر، فانه انما هو بالقياس إلى ما نفى في قوله عليه السلام: (لم يعص الله) فيكون إثباتا للمعنى المنفي هناك، فلا يصح التفكيك على الحقيقة، على أن الحقيقة في قوله عليه السلام: (عصى سيده) متعذرة بناء على ماذكر من أن العصيان مخالفة الامر إلى آخره، فينبغي حمله على ما يوجب العقوبة في الجملة وإن لم يكن لمخالفة الامر، فيلزم الخروج عن ظاهر اللفظ في الموضعين، مع التفكيك بحمله فيهما على معنيين مختلفين، مع أن امتناع الحقيقة في قوله عليه السلام (عصى سيده) انما اقتضي الصرف عن الظاهر في قوله عليه السلام: (لم يعص الله) للزوم التفكيك بدونه على ما يفهم من كلامه، وإلا فالحمل على الظاهر فيه ممكن بارادة نفي العصيان على بعض الوجوه، فالعدول عنه ليس إلا للفرار عن لزوم التفكيك، (جواهر الكلام – ج 13)