جواهرالکلام فی شرح شرایع الاسلام-ج30-ص3
ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) بناء علىما عرفته سابقا من أن الامر فيها للاباحة، ومقتضى إباحة الاعداد المخصوصة تحريم ما زاد عليها، إذ لو كان مباحا لما خص الجواز بها، لمنافاته الامتنان وقصد التوسيع على العباد، ولان مفهوم إباحة الاربع حصر ما دون الاربع أو ما زاد عليها، والاول باطل بتجويز الثلاث فيها صريحا، فتعين الثاني.
بل يمكن أن يكون المراد منها إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى بالانفاق من أموالهم التى في أيديكم التى جوز الله لوليهم الانفاق منها بالمعروف فاقتصروا على نكاح ما طاب لكم، وحل وساغ من العدد أعني مثنى وثلاث ورباع إلى أن قال: (ذلك أدنى ألا تعولوا) فيستفاد منها حينئذ انحصار الحل في العدد المزبور، ولذا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله قيس بن الحرث عند نزول الاية وكان تحته ثمانية أن يطلق أربعا ويمسك أربعا قال: (فجعلت أقول للمرئة التى لم تلد: يا فلانة أدبري، والتى قد ولدت: يا فلانه أقبلي) (1) فمن الغريب دعوى بعض الناس عدم دلالة الاية على تحريم ما زاد، وإنما استفيد من دليل آخر.
ثم إن هذه الالفاظ الفاظ معدولة عن أعداد مكررة هي ثنتين ثنتين، وثلاث ثلاث، وأربع أربع، وهى غير منصرفة للعدل والصفة، فأنها بينت صفات وإنكانت أصولها لم تبن لها، وقيل عدم انصرافها لتكرير العدل عدلها عن صيغها وعدلها عن تكررها، أي أن الاصل كان اثنين اثنين مثلا فغير اللفظ إلى مثني، وعدل بها عن التكرير، فصار بها عدلان لفظي ومعنوي، ونصبها على البدلية من المفعول، أو على الحال من فاعل طاب، ومعنى الحالية فيها مثلها في قولك: (جئت فارسا وراجلا وحافيا وناعلا) تريد أنك جئت في كل حال من هذه الاحوال لا أنك جئت في حال ثبوت جميعها، وكذا الحال في الاية، فان المراد جواز النكاح في كل حال من الاحوال الثلاثة دون مجموعها، وإلا لزم نكاح التسع.
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 183 مع اختلاف يسير، وفيه أنه أسلم وعنده ثمان نسوة