جواهرالکلام فی شرح شرایع الاسلام-ج29-ص33
بل من ذلك يظهر الجواب عما قيل على القول بأفضلية النكاح من أنه يقتضى كونه أفضل من التخلي لتحصيل العلم، مع ما فيه من الفضائل التي لا توجد في آخر لا في التزويج ولا في غيره، فان ذلك انما يتوجه لو كان المراد تفضيل النكاح على جميعأنواع التخلي للعبادة، وقد عرفت أن المقصود تفضيله على طبيعة التخلي، مع قطع النظر عن خصوصيات أفراده، على أن المتبادر من العبادة ما تكون من جنس الاعمال لشيوع استعمالها فيه ووقوعها في مقابلة العلم، فلا يدخل التخلي لتحصيل العلم في محل النزاع وإن قلنا إن النزاع في تفاضل الافراد والانواع دون الطبائع والله العالم.
وكيف كان فاعلم أن النكاح إنما يوصف بالاستحباب مع قطع النظر عن العوارض اللاحقة، وإلا فهو بواسطتها تجرى عليه الاحكام الاربعة الباقية، فيجب مع النذر وشبهه، لرجحانه بالاصل، ومع ظن الضرر بالترك، لوجوب دفع الضرر المظنون، قيل: وعند خوف الوقوع في المحرم بدونه، وفيه أن ذلك لا يقتضى الوجوب، ضرورة بقاء الاختيار الذى يكفي في عدم الوقوع فيه، فلا يتوقف على التزويج، اللهم إلا أن يريد أنه أحد الافراد التى تكون سببا لعدم الوقوع في المحرم، وهو كما ترى، ويحرم إذا أفضى الى الاخلال بواجب، كالحج، ومع الزيادة على الاربع، ويكره مع انتفاء الشهوة بالكلية، كما في العنين والمريض مرضا ملازما يمنعه عن الوطء، فان الظاهر رجحان الترك بالنسبة إليه، لانتفاء مصالحالنكاح فيه، ومنعه الزوجة من التحصن بغيره، ولاشتغاله عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه، كذا قيل، وفيه أن إثبات الكراهة المصطلحة بذلك لا يخلو من نظر، ويتصف بالاباحة إذا تضمن ترك النكاح مصلحة تساوي مصلحة الفعل، فان ذلك قد يتفق، كما إذا خاف من تلف مال معتد به له بواسطة التزويج أو تضييع عيال له في محل آخر مع وجود الشهوة وكمال الرغبة، قيل: وكذا مع عدم قصد الامتثال وإرادة الطاعة بالتزويج، فان النكاح إنما يتصف بالاستحباب مع قصد التقرب به، فبدونه يكون مباحا، وفيه ما عرفت من عدم اعتبار ذلك في مستحب المعاملات