جواهرالکلام فی شرح شرایع الاسلام-ج2-ص79
لكن لما كان لا يكفي في صحة العبادة وجود النية بالمعنى المتقدم، بل لابد من ملاحظة القربة منها وحصول الاخلاص، وهو في غاية الصعوبة، بل هو الجهاد الاكبر للنفس الامارة بالسوء، كما لا يخفى على من لاحظ الاخبار (1) الواردة في الرياء والحذر عنه، وانه أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة، وكانت القربة في حال الاخلاص من متعلقات النية، إذ يجب عليه قصد الفعل امتثالا لله خاصة صعب أمر النية من هذه الجهة، وصح اشتراطها في العبادات دون المعاملات، وبحث عنها المتأخرون.
بل لعل المتقدمين بذكرهم في أوائل كتبهم اشتراط الاخلاص في العبادة والتحذير من الرياء ونحوه اكتفوا عن ذكر النية بمعنى القصد، لعدم إمكان حصول الاخلاص بدونه، وبما ذكرنا ظهر لك مراد من جعل أمر النية في غاية السهولة، وكذا من جعلها في غاية الصعوبة، لاختلاف الحيثيتين، إلا أنه ربما ظهر من بعض عبارات بعض الاصحاب صعوبة أخرى للنية من غير تلك الحيثية، وذلك لانه جعلها عبارة عن هذا الحديث النفسي والتصور الفكري، فلا يكتفى بدون الاخطار بالبال للقصد مع ما يعتبر معه من القربة والوجه وغيرهما مقارنا لاول العمل، فبسببه يحصل بعض أحوال لهم تشبه أحوالالمجانين، وليت شعري أليست النية في الوضوء والصلاة وغيرهما من العبادات كغيرها من سائر أفعال المكلفين من قيامهم وقعودهم وأكلهم وشربهم، فان كل عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذا الافعال إلا مع قصد ونية سابقة عليه ناشئة من تصور ما يترتب عليه من الاغراض الباعثة والاسباب الحاملة على ذلك الفعل، بل هو أمر طبيعي وخلق جبلي، ومع هذا لا ترى المكلف في حال إرادة فعل من هذه الافعال يعتريه شئ من تلك الوسوسة وذلك الاشكال، بل هو بالنسبة إلى العبادات الاخر من الزيارات والصدقات وعيادة المرضى وقضاء الحوائج والادعية والاذكار وقراءة القرآن ونحو ذلك لا يعتريه شئ من تلك الاحوال، بل هو فيها على حسب سائر
(1) الوسائل – الباب – 12 – من ابواب مقدمة العبادات