ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص328
ثمّ إنّه لا يبعد اعتبار شهادة العدل الواحد في الموضوعات أيضاً، فانّ الإعتناء بخبر العدل والثقة عليه سيرة العقلاء في الأمور
الراجعة إلى معاشهم ومعادهم، بلا فرق في ذلك بين كون الخبر المزبور حاكياً عن الحكم أو الموضوع، ولم يردع عنها الشرع إلاّ في
بعض الموارد، كالأخبار عن رؤية الهلال، كما يستفاد ذلك ممّا ورد من أنّه لا عبرة فيها بغير شهادة رجلين عدلين، ومثلها ما إذا كان خبر
العدل متضمناً للدعوى على الغير مالاً أو حقاً، فانّه لا يرفع اليد في تلك المقامات عن مقتضى قاعدة اليد أو أصالة الصحة
ونحوهما بمجرد قيام خبر العدل، كما يستفاد ذلك من الأخبار الواردة في القضاء، بل لا اعتبار به في موارد قاعدة اليد مطلقاً ولو لم
تكن أخباره في موردها من قبيل الدعوى على الغير. ويؤيد ـ اعتبار خبر العدل بل الثقة فيما ذكرنا ـ في جواز الإعتماد على إذن الثقة
وأخبار الثقة عن زوجية امرأة يريد تزويجها، والتعبير بالتأييد باعتبار أنّه لا يمكن التعدي منهما إلى سائر الموارد مع الإغماض عن
السيرة المشار إليها، حيث إنّهما من قبيل النص في مورد خاص.
(لا يقال): الأخبار بكونه زوجاً لامرأة يريد الآخر تزويجها من قبيل الدعوى على الغير (فانّه يقال): الأخبار كذلك لا يكون من قبيل
الدعوى بالإضافة إلى من يريد تزويجها، وإنّما تكون دعوى على المرأة، وظاهر الرواية اعتبار خبر الثقة بالإضافة إلى من يريد
تزويجها، وهي ما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن عن زرعة عن سماعة، قال: «سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع
بها، فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة أنّ هذه امرأتي، وليست لي بينة، فقال: إن كان ثقة فلا يقربها، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه».
لا يقال ظاهر رواية مسعدة بن صدق عدم العبرة في الموضوعات إلاّ بشهادة رجلين، قال: «سمعت أبا عبداللّه (ع) يقول: كل شيء لك
حلال حتى تعرف أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك لعله حر قد
باع نفسه أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به
البينة»(361) فانّ مقتضى الحصر المستفاد منها عدم الإعتبار بغير شهادة العدلين، ولا يبعد كون الرواية موثقة لثبوت التوثيق
العام لمسعدة، لوقوعه في أسناد تفسير علي بن إبراهيم وكامل الزيارات، ولكنّها لا تصلح للردع عن اعتبار خبر الثقة في
الموضوعات. وذلك فانّ المراد بالبينة ليس خبر العدلين، بل من المحتمل لو لم يكن ظاهراً ـ انّها ما يوضح الواقع كما تستعمل فيه
لغة فلاحظ موارد استعمالها في القرآن. والمفروض أنّ خبر الثقة يوضح الواقع كما هو مقتضى السيرة المشار إليها.
و(ثانياً) دلالتها على عدم اعتبار خبر الثقة في الموضوعات حتى في غير موارد الدعوى على الغير ونحوها بالإطلاق أو العموم،
فيرفع اليد عنه في غير تلك الموارد بالسيرة الجارية على الاعتناء بخبر الثقات على ما تقدم.
والحاصل أنّه لا بأس بالإلتزام باعتبار خبر العدل أو الثقة في الموارد التي أشرنا إليها، ومنها الأخبار عن كون الأرض مفتوحة عنوة أو
أنّها للمسلمين فيما إذا لم تكن على الأرض يد تقتضى كونها ملكاً لذيها، كما إذا تقبلها الزارع من السلطان مع عدم يد لآخر يحتمل
كونها له.