ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص215
ذكر المصنف «ره» احتمالين في قوله مع قذف في قلبه: (الأول) ـ كونه قيداً لفطنة الروح، فيكون الحاصل أنّ المنشأ لخبر الكاهن
عن الحوادث أمور شتى، (منها) ما يرجع إلى نفسه فقط، كفراسة عينه وذكاء قلبه ووسوسة نفسه، و(منها) ما يرجع إلى المجموع من فطنة
روحه وقذف الشيطان في قلبه، ويساعد هذا الاحتمال ما عن النهاية من قوله وقد كان في العرب كهنة، فمنهم من كان يزعم أنّ له تابعاً من
الجنّ يلقي إليه الاخبار، ومنهم ومن كان يزعم أنّه يعرف الأُمور (الحوادث) بمقدمات وأسباب يستدلّ بها (بالمقدمات) على مواقعها
(على موارد الحوادث ومواضعها) من كلام من سأله أو فعله أو حاله (بيان للمقدمات) فانّ ظاهر هذا الكلام امكان كون المنشأ في اخبار الكاهن
الأمر الراجع إلى نفسه فقط.
(الاحتمال الثاني) كونه قيداً لجميع ما ذكر فيكون الحاصل أنّ منشأ اخبار الكاهن هو المجموع من الأمر الراجع إلى نفسه وقذف الشيطان،
وجعل «ره» قوله ـ فيما بعد (فإذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل) ـ قرينة على هذا الاحتمال، وكان هذا باعتبار أنّ
المستفاد من قوله (فإذا قد زاد) أنّ الكاهن يزيد في خبره كلمات من عنده، فيكون الخطاء فيه باعتبار هذا الخلط.
ولكن لا يخفى أنّ ظاهر قوله: (فإذا قد زاد) ظاهره بيان وجه خطأ خبر الكاهن بالحوادث المستقبلة، وأنّ الخطأ فيه باعتبار ما زاده الكاهن
من عنده، لا الكلمة التي القاها إليه شيطانه من خبر السماء، ولا يرجع إلى بيان وجه خطائه في مطلق اخباره حتى بالحوادث الماضية
التي يمكن أن يكون منشأ خبره بها فراسة عينه أو ذكاء قلبه، ويكون اطلاق الكاهن عليه باعتبار أنّ الاخبار بتلك الحوادث فقط
مرتبة من الكهانة في مقابل الكهانة الكامله المنتفية، بعد منع الشياطين عن استراق السمع، لأنّ وقوع الخطأ في اخباره بهذه الحوادث
يمكن أن يكون لكذب الشياطين، فانّهم بمنزلة الناس منهم صدوق وكذوب.
وكيف كان فقد يذكر في المقام عدم الخلاف في حرمة الكهانة بمعنى تحصيل الاعتقاد أو الاطلاع على الحوادث بما تقدم، كما لا خلاف
في حرمة الاخبار بها والرجوع فيها إلى الكاهن، وفي رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه (ع)، قال: «من تكهن أو تكهن له فقد بري من
دين محمد (ص)»(247) وفي سندها علي بن أبي حمزة البطائني وهو ضعيف، ومع ذلك لا دلالة لها على حرمة مجرد اخباره بالحوادث احتمالاً
أو ظنّاً، مع عدم عنوان آخر معه، كاتهام مؤمن و نحوه وفي رواية ابن ادريس في مستطرفات السرائر نقلاً عن كتاب المشيخة للحسن ابن
محبوب عن الهيثم، قال: «قلت لأبي عبداللّه (ع): إنّ عندنا بالجزيرة رجلاً ربّما أخبر من يأتيه يسأله عن الشيء يسرق أو شبه
ذلك، فقال قال رسول اللّه (ع): من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل اللّه من كتاب» وذكر المصنف
«ره» ظاهر هذه الصحيحة حرمة الاخبار عن الغائبات بالجزم سواء كان بالكهانة أو بغيرها لدلالتها على أنّ المخبر بها ساحر أو كاهن أو كذاب
والكل حرام.