ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص211
(أقول) لازم ما ذكره «ره» الحكم بجواز شرب الخمر فيما إذا أمر به الجائر مع تمكنه على التفصي من شربها بالتورية، ولو بشرب مايع
يوهم الجائر أنّه خمر ولا احتمل الالتزام بذلك منه «ره» أو من غيره. والصحيح عدم الفرق بين الاضطرار والاكراه في عدم تحقق عنوانهما،
مع إمكان التفصي بالتورية أو بسائر المحللات، بلا فرق بين المعاملات وغيرها، وأنّه لا يرتفع بمجرد الاكراه، الرضا المعتبر في
المعاملات، كما لا يرتفع ذلك الرضا في موارد الاضطرار، وأنّ الوجه في صحة المعامله مع الاضطرار إليها والحكم ببطلانها مع الاكراه
عليها، هو أنّ الحكم بفسادها في مورد الاضطرار خلاف الامتنان، فلا يشملها حديث الرفع بخلاف مورد الاكراه، فأنّ الرفع فيه موافق
له فيعمها حديث الرفع، وإذا أمره الجائر بالمعاملة وأمكن التفصي عنها بالتورية أو بغيرها، ومع ذلك أنشأ المعاملة بقصدها حكم
بصحتها أخذاً باطلاق دليل نفوذها، ولا يكون في البين حكومة لحديث الرفع، وهذا بخلاف الحلف أو الاخبار كذباً، فانّه جائز في
مورد دفع الضرر حتى مع امكان التورية أو امكان التفصي بغيرها، لما تقدم من دلالة الروايات الخاصة على هذا الجواز، ويترتب على ذلك
أنّه لو أراد الذهاب إلى بلد يكون له طريقان، وعلم أنّه لو سلك الطريق الفلاني يتعرض له الجائر، فلابدّ في التخلص عن ضرره
من الحلف كذباً دون ما إذا سلك الطريق الآخر، فلا يتعرض له، فانّه يجوز سلوك الطريق الأول والحلف له كذباً. وما في الكلام
المصنف «ره» ـ من اعتبار العجز عن التفصي بغير التورية في جواز الكذب ـ لا يمكن المساعدة عليه.
[1] يطلق الضرر على النقص في المال أو العرض أو النفس، وعلى عدم النفع وظاهر الروايات المتقدمة وحديث رفع الاكراه جواز الكذب
في مورد الضرر بالمعنى الأول دون الثاني، فانّه لا مقتضى لارتفاع حرمة الكذب فيه. والضرر في كلام مولانا أميرالمؤمنين (ع):
(علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك) بالمعنى الثاني بقرينة مقابلته للنفع، مع أنّ الروايات
المرخصة في دفع ضرر الغير بالكذب أخص مطلق بالاضافة إلى هذا الكلام الشامل لمطلق الضرر فيرفع اليد بها عن اطلاقه على
تقدير تماميته.
نعم يمكن الاستدلال على استحباب تحمل الضرر المالي بما ورد في الحلف باللّه صادقاً من استحباب تحمل الضرر والاغماض عن
الحلف، وإذا كان تحمله وترك الحلف الصادق مستحباً يكون تحمله والاغماض عن الحلف الكاذب كذلك بالأُولوية، إلاّ أن التعدي إلى
مطلق الاخبار كذباً مشكل، لما يظهر من بعض الروايات من كون ملاك الاستحباب اجلال اللّه سبحانه بترك الحلف باسمه صادقاً أو
كاذباً، وفي رواية الكسوني عن أبي عبداللّه (ع) قال: «قال رسول اللّه (ص): من أجل اللّه أن يحلف به أعطاه خيراً ممّا ذهب
منه»(244) ونحوها غيرها.
ثمّ إنّه لا يخفى أنّ جواز الكذب لدفع الضرر مختص بما إذا كان الضرر من الظلم والتعدي عليه، ولا يجوز لمطلق كالضرر في
المعاملة، فإذا توقف بيع ماله بلا خسارة على كذبه في رأس المال، فلا يجوز الكذب، لأنّ جوازه إمّا لرفع الاضطرار أو الاكراه،
والمفروض انتفاؤهما، حيث إنّ الاضطرار يتوقف على وجوب دفع الضرر المزبور، والضرر المالي يجوز تحمله، وحديث لا ضرر لوروده
مورد الامتنان لا يعم المقام، بل يختص بما إذا كان في رفع التكليف الضرري امتناناً، ولا امتنان في تجويز الكذب لمؤمن الموجب
لاغراء المؤمن الآخر، بل لا يجوز التورية في مثل اخباره برأس المال باعتبار كونه غشا كما مرّ سابقاً.