ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص187
ثمّ إنّه «ره» فرق بين رواية السكوني وبين رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبداللّه (ع) قال: «سئل عن الشطرنج والنرد،
فقال: لا تقربوهما»(207) وذكر أنّ دعوى الانصراف في الأولى قريبة، وفي هذه بعيدة، ولكن لا يخفى ما فيه، فإنّه إذا كانت كثرة
الافراد موجبة للانصراف في الطبيعي، لكانت كثرة افراد القرب إلى الآلات المزبورة أيضاً موجبة للانصراف في لفظ معنى القرب
المضاف إلى تلك الآلات. وذكر بعد ذلك أنّ الأولى الاستدلال على حرمة اللعب في هذه الصورة برواية تحف العقول من قوله: «ما يجيء
منه الفساد محضاً لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات» وبما في تفسير القمي عن أبي الجارود في قوله تعالى: «انّما
الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون» قال: «أمّ الخمر فكل مسكر من الشراب ـ إلى أن
قال: ـ امّا الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر. وامّا الانصاب فالأوثان التي كان يعبدها المشركون. وامّا الازلام، فالاقداح ـ إلى
أن قال: ـ كل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه ورجس من عمل الشيطان».
(لا يقال) القمار في هذه الرواية منصرف إلى ما إذا كان في اللعب رهن (فانّه يقال) ليس المراد معناه المصدري لتتم دعوى الانصراف،
بل المراد آلاته بقرينة قوله. وكل هذا بيعه وشراؤه وبقرينة قوله قبل ذلك: (أمّا الميسر فهو النرد) حيث إنّ النرد اسم للالة، كما أنّ
البيع، والشراء يتعلق بالآلات لا باللعب.
(اقول) لا يخفى ما فيه، فان رواية تحف العقول ـ كما ذكرنا مراراً ـ لا تصلح للاعتماد عليها، مع أنّ كون الآلات ممّا يجيء منها الفساد
المحض أول الكلام، فانّه إذا جاز اللعب بها بلا عوض ورهن لا يكون فيها الفساد المحض. وأمّا رواية القمي فمع الاغماض عن ضعف سندها
بالقطع، فيأتي فيها ما ذكره في الروايات السابقة من دعوى الانصراف، لا في قوله (وكل قمار ميسر) حتى يقال أنّ القمار فيه ليس
بمعناه المصدري، بل الانصراف في قوله: (والانتفاع بشيء من هذا حرام) حيث إنّ الانقطاع بها ينصرف إلى فرده الشايع وهو اللعب مع
العوض.
[1] لا يخفى أنّ الرهن والعوض وإن لم يكن دخيلاً في كون اللعب بالآلات لهو وباطلا، إلاّ أنّه لا دلالته لتلك الروايات على الحرمة،
لأنّ مطلق الباطل والاشتغال عن ذكر اللّه لا يكون محرماً، ولذا جعلها «ره» مؤيدة للحكم.
[1] (الثالثة) ما إذا كان اللعب بغير الآلات المعدة، ولكن مع الرهن على اللعب، ويظهر من كلمات جماعة في باب السبق والرماية عدم
الخلاف في حرمة هذا اللعب تكليفاً كما يكون فاسداً، حيث قالوا: إنّه لا خلاف. في حرمة السبق بغير المنصوص إذا كان فى البين
عوض. وأمّا إذا لم يكن عوض ففي حرمة السبق خلاف وظاهر ذلك أنّ مورد الخلاف هنا ـ أي فيما إذا لم يكن في البين عوض وهي الحرمة
تكليفاً ـ مورد الوفاق هناك، أي فيما إذا كان في البين عوض، فانّ الفساد يعني الحكم الوضعي لا يمكن كونه مورد الخلاف مع فرض
عدم العوض في البين. وكيف كان فيلتزم في المقام ـ كما عن المصنف «ره» وغيره ـ بحرمة اللعب تكليفاً وفساده وضعاً، أي عدم
صيرورة العوض ملكاً للغالب، ويقال في وجهه أمور.