ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص164
[3] لا يخفى كون الغيبة أشدّ من كبيرة في الوزر، وإن كان مقتضاه أنّها أيضاً من الكبائر، إلا أنّ كونها أشدّ من كبيرة في
التخلّص عن وزرها لا يقتضي ذلك، كما إذا كانت الغيبة من حقوق الناس وحرمة شرب الخمر من حقوق اللّه، فالتخلّص عن وزر شرب
الخمر يكون بمجرّد التوبة، بخلاف وزر الغيبة، فمثل هذه الأشدّية لا تقتضي أن تكون الغيبة من الكبائر، والمروي ـ عن النبي
(ص) بعدّة طرق انّ «الغيبة أشدّ من الزنا» ـ ناظر إلى مرحلة التخلّص عن الوزر، كما هو مفاد ذيله من قوله: «إنّالرجل يزني
فيتوب“».
نعم روي أنّ الغيبة أشدّ من ستة وثلاثين زنية، وذكر العدد ظاهره النظر إلى العقاب، وإلا لكان الأنسب أن يقول (الغيبة أشدّ من
الزنا) ولكنه نبوي مرسل لا يمكن الاعتماد عليه، بل لو كان حديثاً صحيحاً، لكان اللازم تأويله لو لم يمكن طرحه، للجزم
بأنّالغيبة لا تكون أشدّ حرمة ووزراً من زنية واحدة، فضلاً عن الثلاثين. ولذا لو أُكره على الزنا أو الغيبة تعيّن
اختيارالثاني، وذكرنا نظير ذلك فيما ورد من أنّ درهم ربا أشدّ من سبعين زنية كلّها بذات محرم.
نعم يستفاد كون الغيبة كبيرة من صحيحة محمد بن حمران المتقدمة، حيث أنّ ظاهرها شمول ما أوعد اللّه عليه العذاب للغيبة أيضاً،
وذكر المصنّف «ره» وجهاً آخر لكونها كبيرة، وهو اندراجها في الخيانة. وفيه أنّ كون الغيبة من الخيانة ممنوع، كيف؟ ولو لم يكن في
البين دليل على حرمتها بعنوان الغيبة، فباعتبار دخلوها في الخبر الصدق كانت جايزة، بل على تقدير كونها خيانة، لما أمكن
الحكم بكونها من الكبائر حيث لا دليل على كون الخيانة بمعناها العام من الكبائر. والعجب منه «ره» حيث أغمض في الاستدلال على
كونها كبيرة عن آية «ويل لكلّ همزة لمزة» وعن قوله سبحانه: «إنّ الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة» مع استدلاله بهما على حرمتها،
مع أنّ الويل والوعيد بالعذاب على عمل في الكتاب المجيد ملاك كون ذلك العمل من الكبائر.