ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص135
الثالثة: لإصلاح أمره حلالاً. وذكر المصنّف «ره» أنّ المال في الصورتين الأولتين لا يصير ملكاً للأخذ، لكونه من أكله
بالباطل، ولكن ليس فساده فيهما لأجل الرشا حتّى يحرم الإعطاء والأخذ تكليفاً أيضاً، لأنّه ليس في البين ما يدلّ على حرمة
الرشا مطلقاً إلا بعض ما ينصرف إلى الرشا في الأحكام. وأمّا الصورة الثالثة فلا بأس بها وضعاً وتكليفاً كما هو مقتضى مثل
أوفوا بالعقود.
ويدلّ عليه أيضاً ما ورد في الرجل يبذل الرشوة ليتحرّك الآخر من منزله حتّى يسكن فيه المعطي. والمراد المنزل المشترك
كالمدرسة والسوق، وكذا تدلّ عليه رواية الصيرفي، قال: «سمعت أبا الحسن (ع) وسأله حفص الأعور، فقال: عمّال السلطان يشترون
منّا القرب والأدواة. فوكّلون الوكيل حتّى يستوفيه منّا، فنرشوه حتّى لا يظلمنا، فقال: لا بأس بما تصلح به مالك، ثمّ سكت
ساعة، ثمّ قال: إذا أنت رشوته يأخذ منك أقل من الشرط، قلت: نعم، قال: فسدت رشوتك»(139).
أقول: لعلّ المراد بنفي البأس في هذه الرواية بيان عدم حرمة الإعطاء على المعطى، حيث أنّه يدفع بالإعطاء إلى الوكيل ظلمه عن
أمواله، ولكن ما يأخذه الوكيل على ارتداعه عن ظلمه أكل للمال بالباطل فلا يجوز. وعلى الجملة انّ مضمون الرواية غير مربوط بالصور
الثلاثة.
لا يقال: إذا كان متعلّق الاجارة عملاً يتحقّق حلالاً وحراماً، فما الوجه في كون الاجارة باطلة، ولا تدخل الأُجرة في ملك الأجير كما هو
ظاهر المصنّف «ره».
فإنّه يقال: إذا كان متعلّق الاجارة عملاً يتحقّق حلالاً وحراماً، فلابدّ من تقييد مورد الاجارة في عقدها بتحقّقه حلالاً، لئلا
يكون الأمر بالوفاء بها منافياً لما دلّ على حرمة العمل، ويعمّه وجوب الوفاء بها على كلّ قدير، ومع إطلاق الاجارة فضلاً عن
التصريح بالاطلاق لا يمكن أن يعمّها، كما هو المقرّر في البحث عن اجتماع الأمر والنهي. ولو استأجره على غسل ثيابه فغسلها في
إناء مغصوب بماء مغصوب لم يستحقّ أُجرة، بل يحكم بانحلال الاجارة بانتفاء موردها، كما إذا آجره لقلع سنّه فوقع السنّ، وهذا إذا
تعلّقت الاجارة بالغسل المباح، وإلا كانت باطلة من الأوّل. وعلى تقدير البطلان ففي صورة العمل مباحاً يستحقّ أُجرة المثل
لتضمن الاجارة الاذن في العمل الموجب للضمان. وعلى تقدير العمل حراماً فلا يستحقّ شيئاً، فإنّ أخذ المال في مقابل الحرام أكل
له بالباطل. وأوضح من ذلك ما إذا استأجره للجامع بين قراءة القرآن أو الغناء، فعلى تقدير قراءة القرآن يستحقّ أُجرة المثل لقاعدة
الضمان المستفاد من الأمر بالعمل والاذن فيه، وعلى تقدير التغنّي لا يستحقّ شيئاً. ولا يخفى أنّه إذا أجريا العقد على عمل
يحكم بصحّته وتعلّقه بالفرد الحلال لفعلهما على الصحيح، وهذا غير ما ذكرنا مما يعلم فيه تعلّق قصدهما بالفعل حلالاً
وحراماً.