ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص108
الرابع: ما في الروايات المستفيضة، ومنها: ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبداللّه
(ع) قال: «من مثّل تمثالاً كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح»، وفي حديث المناهي المتقدّم: «وقال رسول اللّه من صوّر
صورةً كلّفه اللّه يوم القيامة أن ينفخ فيها، وليس بنافخ». وربّما يناقش في دلالتها بعد الإغماض عن سندها، بأنّ مقتضى
الأمر بالنفخ أن تكون الصورة مجسّمة، ويجاب عن ذلك تارةً بإرجاع الأمر بالنفخ إلى الأمر بالتجسيم أوّلاً، ثمّ النفخ فيه، وهذا
الجواب كما يذكر المصنّف «ره» خلاف الظاهر، وأُخرى بأنّ النقش باعتبار محلّه أو باعتبار الأجزاء اللّطيفة من الصبغ قابل
للنفخ، وكذا إذا كان من قبيل أمر الإمام (ع) الأسد المنقوش على بساط الخليفة بأخذ الساحر في ذلك المجلس، ولعلّه في الحقيقة من
تعلّق إرادته (ع) بمحو الصورة عن البساط وحضور أسد يكون صورته موافقاً لما كان في البساط.
أقول: التكليف الوارد في هذه الأخبار بالنفخ اعتذاري لا يعتبر تعلّقه بالممكن أو المقدور، فلا يكون في الأمر قرينة على
اختصاص الصورة بالمجسّمة، كما لا حاجة إلى فرض إمكان النفخ في النقش. اللّهمّ إلا أن يقال: إنّ الأمر بالنفخ يقتضي كون
الصورة مجسّمة، لا لأنّ الأمر يتعلّق بالممكن أو المقدور حتّى يجاب عنه بأنّ الأمر به اعتذاري، بل لأنّ الأمر بالنفخ ظاهره نقص
الصورة من الحيوان أو الإنسان في جهة الروح فقط.
الخامس: صحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا عبداللّه (ع) عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟ فقال: لا بأس مالم يكن شيئاً من
الحيوان»(108)، وذكر المصنّف «ره» أنّ هذه أظهر ما في الباب من حيث شمولها للصورة بنحو النقش، وذلك بقرينة تمثال الشمس
والقمر الذي يكون بالنقش عادة، وفيه أنّ هذه الصحيحة لا دلالة لها على عدم جواز التصوير بمعناه المصدري، حيث أنّ من المحتمل رجوع
السؤال فيها إلى اقتناء الصور.
لا يقال: على تقدير كون المراد منها السؤال عن الاقتناء تكون دالّة على حرمة التصوير أيضاً، حيث أنّ حرمة الاقتناء لازمها حرمة
عملها، إذ لا يحتمل حرمة اقتناء الصورة وجواز عملها. والحاصل أنّ حرمة عملها تثبت بالصحيحة على كلّ تقدير، إمّا بدلالتها
المطابقية، كما إذا كان السؤال راجعاً إلى العمل أو بالالتزام بناءً على كونها ناظرة إلى حكم الاقتناء.
فإنّه يقال: إذا كان النهي فيها عن الاقتناء فيحمل على الكراهة لا محالة، لما يأتي من القرينة الواضحة عليها. وكراهة الاقتناء لا تلازم
حرمة العمل.
السادس: ما في المحاس عن أبيه عن ابن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة عن أميرالمؤمنين (ع) قال: «من جدّد قبراً أو مثّل
مثالاً فقد خرج عن الإسلام» ووجه دلالته أنّ التصوير والمثال كما حكى كاشف اللّثام عن أهل اللّغة مترادفان، والغالب خارجاً من
تصوير الحيوانات نقشها، ولو لم تكن الرواية مختصّة بالغالب فلا أقلّ من شمولها له. وربّما يقال: إنّ المراد بتمثيل المثال
فيها صنع الصنم بقرينة خروج الفاعل عن الإسلام، كيف؟ ولا يكون التصوير أشدّ من الزنا ونحوه من المعاصي الكبيرة التي لا
يخرج فاعلها بفعلها عن الإسلام؟
أقول: هذا خروج حكمي عن الإسلام، نظير قوله سبحانه: «ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين»(109)، وإلا فصنع الصنم أيضاً لا
يوجب الخروج عن الإسلام.