پایگاه تخصصی فقه هنر

ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص86

فإنّه يقال: إنّ هذا الكلام ـ أي عدم صحّة الاعتذار ـ إنّما يجري فيما إذا كان العمل الواحد حراماً على كلّ واحد من المكلّفين

مستقلاً، والمراد بالعمل الواحد إخراج طبيعي الفعل عن العدم المعبّر عنه بصرف الوجود، مثلاً: لا يصحّ لمكلّف هدم مسجد
اعتذاراً، بأنّه لو لم يهدمه لهدمه الآخرون. وأمّا إذا كان التكليف وجوبياً ومتعلّقاً بإخراج الفعل إلى الوجود، وكان الفعل بحيث لا
يحصل خارجاً بفعل مكلّف واحد أو تركه، بل يحصل باجتماع جميعهم على الفعل أو الترك، كما إذا وجب حمل ثقيل من مكان إلى آخر،
وكان الحمل موقوفاً على اجتماع اثنين أو أكثر على رفعه، ففي هذه الصورة لا يجب على المكلّف إلا الرفع المقدور، والرفع المقدور
له هو الرفع الضمني لا الاستقلالي، وإذا فرض عدم شركة آخر في رفعه لما وجب عليه رفعه، لأنّ رفعه في هذا الفرض غير مقدور له،
والوجوب لا يتعلّق بغير المقدور. والأمر في المقام كذلك، فإنّ التكليف ـ وهو وجوب منع الخمّار عن المنكر ـ يحصل باجتماع جميع
باعة العنب على ترك بيعه منه.

وبعبارة أُخرى: المقدور من المنع لهذا البايع هو ترك بيع العنب منه عند ترك السائرين بيعه منه، وعلى ذلك فيجوز له البيع مع

إحرازه أنّه لو لم يبعه لباعه الآخر، والوجه في الجواز عدم كون بيعه في الفرض مخالفة لوجوب المنع عن المنكر. ولو شكّ في قيام
السائرين بالمنع بتركهم البيع منه كان مرجع الشكّ إلى كونه متمكّناً فعلاً عن منع ذلك المشتري عن المنكر أوّلاً، فإن قلنا
بأنّ مورد الشكّ في القدرة على الواجب ـ كما ادّعى ـ داخل في قاعدة الاحتياط، فلا يجوز للمكلّف البيع منع. وأمّا لو قلنا بأنّه من
موارد الشكّ في التكليف، وأنّه تجري فيه أدلّة البراءة إلا مع إحراز القدرة بوجه معتبر، ولو كان ذلك الوجه المعتبر هو الاستصحاب
كان المورد من موارد البراءة. والظاهر من أوّل كلام المصنّف «ره» جعله من موارد الرجوع إلى البراءة، حيث قال: «ثمّ إنّ هذا الاستدلال
يحسن مع علم البايع بأنّه لو لم يبعه لم يحصل المنكر» كما أنّ ظاهر آخر كلامه جعله من موارد الاحتياط، حيث قال: «فإن علم أو ظنّ أو
احتمل قيام الغير بالترك وجب قيامه به أيضاً».