ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص78
ويمكن الاستدلال على وجوبه بحكم العقل باستحقاق الذمّ فيما إذا ترك المنع مع التمكّن منه ولزوم منعه عن جرمه مع التمكّن منه هو
المراعى في تلك القوانين الدارجة عند العقلاء، كما إذا باع السارق سلماً مع علمه بأنّ السارع يستعمله في سرقة الأموال، فلا يؤخذ
على بيعه فيما إذا ثبت أنّه لم يكن يترتّب على ترك بيعه ترك سرقتها، كما إذا كان السارق في بلد يباع في جميع أطرافه
السلم، بحيث لو لم يبيع هذا السلم منه لأخذ السلم من غيره، ولو ممن لا يعرفه بأنّه سارق، وفي مثل ذلك لا يؤخذ البايع ببيعه بل
يقبل اعتذاره عن البيع بما ذكر، مع ثبوته. وما ذكر من الرواية ناظر إلى هذه الجهة، وإلا لم يكن وجه لتسميل عيني الناظر، فإنّه لم
يرتكب الجرم ولم يساعد عليه، بل إنّما لم يمنع عن القتل، ولا بُعد في كون الجزاء لعدم المنع مختلفاً بأنحاء عدم المنع.
وعلى الجملة، حكم العقل والمراعى في بناء العقلاء هو التمكّن من منع الغير عمّا يريده من الجرم، ونلتزم بذلك أيضاً ونقول بعدم
جواز بيع الخشب أو العنب فيما لو لم يبعهما من المشتري المزبور لما يكون في الخارج خمراً أو آلة قمار.
وأمّا إذا أحرز أنّه لو لم يبعه لاشترى من غيره، فمثل ذلك يدخل في مسألة إعانة الغير على الحرام. ولا دليل على قبح هذه الاعانة ولا
على حرمتها إلا في مورد الإعانة على الظلم، فإنّها غير جائزة شرعاً، كما سيأتي.
ويظهر أيضاً جوازها في غير ذلك المورد من بعض الروايات كموثقة ابن فضال، قال: «كتبت إلى أبي الحسن الرضا (ع) أسأله عن قوم
عندنا يصلّون ولا يصومون شهر رمضان، وربما احتجت إليهم يحصدون لي، فإذا دعوتهم إلى الحصاد لم يجيبوني حتّى أُطعمهم، وهم
يجدون من يطعمهم، فيذهبون إليهم ويدعوني، وأنا أضيق من إطعامهم في شهر رمضان، فكتب بخطّه أعرفه أطعمهم»(77)، وحملها على صورة
الاضطرار إلى الإطعام لا تساعده قرينة، فإنّ المذكور في الرواية احتياج المعطي إلى عملهم، والحاجة غير الاضطرار الرافع للتكليف،
كما أنّ حملها على صورة كونهم معذورين في الإفطار يدفعه إطلاق الجواب وعدم الاستفصال فيه عن ذلك.
وأمّا مخالفة تلك الأخبار للكتاب المجيد، فقد قيل إنّها تخالف قوله سبحانه: «ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»(78)، وهذا الوجه على
تقدير تماميته لا يقتضي إلا حرمة البيع المزبور تكليفاً لإفساده وضعاً، حيث إنّ انطباق عنوان محرّم على المعاملة مساوق
لتعلّق النهي بها، ولكنّ النهي في الآية لا يكون تحريماً بل يناسب التنزيه، وقد ذكر في مقابل الأمر بالتعاون على البرّ
والتقوى ولا ريب في أنّ البرّ والتقوى غير واجبين بإطلاقهما فضلاً عن التعاون عليهما.
أقول: هذا الإيراد ضعيف غايته، لما ذكرنا في الأُصول من أنّ قيام قرينة على رفع اليد عن ظهور بعض الخطاب لا يوجب رفع اليد عن
ظهور بعضه الآخر، وفي المقام أيضاً الأمر ظاهر في الوجوب والنهي ظاهر في التحريم، ولكن قد علم أنّ متعلّق الأمر في الآية غير
واجب، وباعتبار القرينة نرفع اليد عن ظهوره. وأمّا رفع اليد عن ظهور النهي في التحريم فهو بلا وجه.