ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب (ج1)-ج1-ص36
أقول: قد ظهر مما ذكرنا إلى هنا أنّ مقتضى الأدلة الالتزام بعدم جواز بيع غير الكلب الصالح فعلاً للصيد وما تقدّم من مرسلة
الشيخ «ره» لا يزيد على سائر المرسلات التي لا يمكن الاعتماد عليها.
لا يقال: لا يمكن التمسّك في إثبات بطلان بيع الكلب مطلقاً بمثل صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد، لعدم الاطلاق فيها باعتبار
عدم ورودها في مقام بيان حكم بيع الكلب، بل في مقام تحقير الجارية المغنّية وتسوية ثمنها مع ثمن الكلب، وكذا لا يمكن التمسّك
برواية السكوني عن أبي عبداللّه (ع) قال: «السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر البغي والرشوة في الحكم وأجر
الكاهن»(43). والوجه في ذلك عدم الاطلاق لها أيضاً باعتبار أنّه لم ترد في بيان الحكم لثمن الكلب حتّى يؤخذ بإطلاقه، بل في
مقام تعداد السحت نظير ما ورد في تعداد الحرام من الكذب والغيبة والتهمة والربا وغير ذلك، أو في تعداد الواجب من أنّها الصلاة والصوم
والحج والزكاة إلى غير ذلك.
والحاصل أنّه كما لا دلالة فيما ورد في تعداد الحرام على كون الربا مثلاً بإطلاقه حراماً أو أنّ الحرام قسم خاصّ منه ولا دلالة فيما
ورد في تعداد الواجب على وجوب الحجّ بإطلاقه أو أنّ له شرطاً، ولذا لا يمكن التمسّك عند الشكّ في جزئية شيء أو شرطيّته
للصلاة مثلاً بالاطلاق المزبور في نفي جزئية ذلك المشكوك فيه أو شرطيته، كذلك لا دلالة فيما ورد في تعداد السحت، على أنّ
السحت ثمن مطلق الكلب أو ثمن كلب خاص. وعى ذلك فلا يصحّ الحكم ببطلان بيع كلب الزرع أو الماشية أو الحارس أخذاً بالاطلاقات
المزبورة، وأيضاً لا يمكن الحكم بفساد بيعها أخذاً بمفهوم الوصف في مثل صحيحة عبدالرحمن ومحمد بن مسلم معاً، وذلك فإنّ
المراد بالذي يصيد ليس هو خصوص الكلب المعلّم للصيد حتّى يكون المراد بالذي لا يصيد غير المعلّم للصيد، بل المراد به
معناه اللغوي وهو الذي يأخذ الحيوان الممتنع، سواء كان مأكول اللحم أو لا، حتّى إذا كان الأخذ المزبور من الكلب بمقتضى طبعه الذي من
السباع، فالكلب الذي لا يصيد هو ما يكون مهملاً وعاطلاً عن مقتضى طبعه بالمرّة بحيث لا يأخذ الحيوان الممتنع، والحاصل أنّ
الكلاب الأربعة كلّها من كلاب الصيد ويصحّ بيعها كما هو مقتضى وجوب الوفاء بالعقود وإطلاق دليل حلّ البيع، والفاسد بيعه هو
الكلب الهراش العاطل عن مقتضى طبعه بالمرّة والساقط عن درجة كونه سبعاً.