انوار الفقاهة-ج26-ص119
رابع عشرها:لا يجوز للزوجة الامتناع من تسليم بضعها للزوج لأنه قد ملك السلطان عليه وتعلق حقه به فلا يجوز مدافعته عن حقه لأنه ظلم وعدوان نطق بالنهي عنه الكتاب والسنة والإجماع مضافاً إلى ما دل على وجوب حقوق الزوجية وكذا لا يجوز للزوج الامتناع عن تسليم المهر لأن المهر قد ملكته بنفس العقد فيجب أداءه وإلا كان غاصباً آكلاً للمال بالباطل وهو منهي عنه كتاباً وسنة وإجماعاً ولو عصى أحد الزوجين فابتداء بمنع حق الآخر جاز للآخر الامتناع عليه بأدآء حقّه في الجملة على ما يجيء إن شاء الله تعالى ولا عصيان منه ولا ضمان عليه وذلك لأن النكاح له شبه في المعاوضة ومن شأن المعاوضة جواز امتناع أحد المتعاوضين بعد امتناع الآخر وكأنه حكم شرعي قضى به إطلاق المعاوضة أو تعبدي أفتى به الأصحاب حتى كاد أن يكون إجماعاً ويدل عليه فحوى قوله تعالى:( فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ( وقوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا(، وربما أشعر به ما دل على جواز المقاصة فإنكاره كما أنكره بعض المتأخرين بعيد عن الصواب وظاهر الخطاب ويجبر الحاكم الممتنع من الزوجين ابتداء لدفع الحق فيدفعه ويتولى تقبيض الآخر أما لو كان امتناع أحدهما لعذر كعجز أو إعسار ففي جواز امتناع الآخر عليه وجهان من إطلاق كلام الفقهاء بالجواز وظهور إطلاق المعاوضة بالبناء عليه ومن جاء من وجوب دفع الحق إلى أهله وعدم كون العذر عدواناً كي يقابل بمثله غايته أنه يكون كالدين ويلزم فيه النظرة إلى ميسرة ولا يبعد البناء على الأخير هذا كله إذا صدر منهما أو من أحدهما امتناع أما لو لم يصدر ذلك وإنما وقع بينهما تشاح في تقديم التسليم وعدمه فطلب كل منهما تقدم صاحبه في التسليم فالذي يظهر من إطلاق عقود المعاوضة ومن فتوى جواز امتناع كل واحد منهما عن البدار بالدفع قبل دفع صاحبه مقابلة حتى لو تشاحا فامتنع كل واحد منهما لامتناع صاحبه لم يكونا آثمين ولا ضمان عليهما والظاهر أن انكار جواز ذلك تمسكا بوجوب دفع الحق إلى أهله وإنّ لم ظلم لا يظلم فيجب عليهما التسالم دفعه ولو على يد ثالث أو بالرجوع إلى الحاكم وإن كان موافقاً للاحتياط ولكنه بعيد عن الصواب نعم قد يقال للحاكم أن يجبرهما على الدفع دفعه واحدة لأنه منصوب لقطع النزاع والخصومة سواء جاز لكل منهما الامتناع لامتناع صاحبه وأوجب عليهما التسالم دفعه مع احتمال جواز الإيقاف إلى أن يتبادر أحدهما بالدفع فيجبر الآخر واحتمال جبر الزوج على تقديم حق الصداق لإمكان تدارك الفائت منه دون البضع لعدم إمكان تدارك فائته ولأن فائت الزوج لا يعجز عن استيفائه غالباً وفائت الزوجة تضعف عن استيفائه غالباً لضعفها ولجريان السيرة بتقديم المهر على استيفاء البضع غالباً فينصرف إطلاق العقد للغالب ولخبز زرعه عن سماعه عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً قال نعم إذا جعلته في حل فقد قبضه منه فيفهم منه أن تقديم المهر كان أمراً معلوماً ذلك اليوم وللأخبار الدالة على أن ما يعطيها الزوج فتمكنه من الدخول قد استحل فرجها به كخبر أبي بصير إذا تزوج الرجل المرأة فلا يحل له فرجها حتى يسوق إليها شيئاً درهماً فما فوقه أو هديه من سويق أو غيره وهو ظاهر في أن ذلك لجلب رضاها من جهة عدم دفع المهر وحمله على إرادة التزويج بعيد وكصحيح الفضيل فالذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل بها حل للزوج به فرجها قليلاً كان أو كثيراً إذا هي قبضته منه وقبلت ودخلت عليه ولا شيء لها بعد ذلك وكمفهوم الآخر إذا اهديت إليه ودخلت بيته ثم طلبت بعد ذلك فلا شيء لها وكصحيح بريد عن رجل تزوج امرأة على أن يعلمها سورة من كتاباً الله فقال ما أحب أن يدخل حتى يعلمها السورة أو يعطيها شيئاً قلت أيجوز أن يعطيها تمراً أو زبيباً قال لا بأس بذلك إذا رضيت به كائناً ما كان وكرواية أبي بصير قال تزوج أبو جعفر فزارها فاراد أن يجامعها فالقى عليها كساه ثم أتاها قلت أرأيت إذا وافى مهرها أله أن يرتجع الكساء قال لا إنما استحل به فرجها وهذا الأخير هو الأقوى والأحوط وإن أمكن تطرق المناقشة إليه بحمل الأخبار على الاستحباب دون الفرض والإيجاب لما دل من الأخبار المتكثرة على جواز دخول الزوج بامرأته من دون أن يدفع لها المهر أو استأخر وهي عدة أخبار معتضدة بظاهر فتوى المشهور فيجمع بينهما بالاستحباب لإمكان دفع هذه المناقشة بأن جواز الدخول بدون المهر مع رضاها لا ينكره أحد فلتحمل هذه الأخبار على وقوع الرضا منها وتبقى تلك الأخبار على ظاهرها من إرادة المنع مع عدم الرضا إلا ببذل المهر أو ما يقوم مقامه مما ترضى به ما ورد في تلك الأخبار من لفظ لا يحل ولفظ أنه يستحل لا يحل ولفظ أنه يستحل فرجها أما أن يبقى على ظاهره من الحرمة فيكون إقدامه على الواطئ حراماً ولا بأس بالقول به أو يحمل على المبالغة في التحريض على الدفع وأن لم يكن حراماً لعدم المنافاة بين جواز امتناع المرأة وبين جواز وطئه لها وما يقال أن الأخبار الإمراة بدفع شيء إنما هي على وجه التعبد فتقيدها بأن الدفع كان لا رضائها لأن لها حقّ الامتناع تقيد لا دليل عليه فالجواب عنه أن الجمع بين الأخبار مع ضميمة قاعدة المعاوضة من جواز امتناع كل من المتعاوضين من التقدم بالدفع إلا مع تقديم صاحبه الزمنا بالقول بذلك وجعلنا الترجيح في جانب تقديم المهر كما ذكرناه من المرجحات وعلى كل حال فهو خير من الجمع بالحمل على الكراهة إذ لا دليل عليه ومن العجيب أن بعض أهل الأخبار قد خالف قواعده في هذا المضمار فحمل الأخبار الآمرة بدفع شيء للمرأة قبل الدخول على الندب وأخذ بالقواعد الاصلية من لزوم دفع كل حق إلى صاحبه وعدم جواز امتناع أحدهما لامتناع الآخر وهو كما ترى وهنا فوائد.
أحدها:لا يتفاوت والحال بين الامتناع عن كل المهر أو بعضه في بعض في جواز امتناع الزوجة إذا امتنع عن دفعه لما ذكرناه من المرجحات السابقة مع احتمال أن الزوجة لو أخذت بعضاً منه لم يكن لها الامتناع بعد ذلك لفحوى بعض الأخبار المتقدمة.
ثانيها:لو كان الزوج معسراً لا يتمكن من المهر فهل لها الامتناع أم لا وجهان من أنها معاوضة ومن شأن المعاوضة عدم وجوب دفع أحد العوضين قبل دفع صاحبه العوض الآخر ولا يتفاوت فيه الإعسار ولا الإيسار غايته أن الإعسار رافع لإثم منع دفع المهر لا موجب لبذل الزوجة نفسها ولتحقق الضرر والإضرار بالمرأة لتأدية بذل نفسها له إلى تثبيطه عن الوفاء ومن أصالة وجوب دفع الحق إلى أهله ووجوب طاعة الزوجة للزوج ولزوم اتباعه والانقياد له خرج من ذلك ما لو كان مؤسراً فامتنع وبقي الباقي تحت تحت القواعد الأولية ولأن الموسر يلزم انتظاره في الدين فمن البعيد أن يسوغ له إن شاء الله تعالى التأخير ويسوّغ للمرأة المنع من دفع حقه بغير تقصير منه ولأن الأخبار الآمرة بدفع شيء للزوجة ظاهرة في الموسر القادر واحتمال أن البضع بيدها بمنزلة الرهن فلها منعه وإلى تسليم حقها مفتقر إلى دليل وليس فليس واحتمال قضاء عقد المعاوضة سيما عقد النكاح الذي هو ليس من المعاوضات الصرفة بذلك حتى مع الإعسار ممنوع وهذا الاخير أقرب للقواعد كما أن الأول أقرب لفتوى الفقهاء ويمكن الفرق بين الإعسار المقارن للعقد فلها الامتناع دون المتجدد فليس لها العدم تقصير الزوج حينئذٍ بوجه كما يمكن الفرق بين علم الزوجة بالإعسار حين العقد فليس لها الامتناع وبين عدمه فلها ذلك لولا أن الفقهاء لم يذكروهما فرقا.