انوار الفقاهة-ج26-ص32
الثالث:من مباحث الرضاع قد عرفت أن المرتضع عند استكمال الشروط المتقدمة يعتبر بحكم الولد النسبي للفحل والمرضعة في انتشار الحرمة منه إليهما ومنهما إليه إلى أصولهما وفروعهما ومن في طبقتهما سواء في ذلك النسب او الرضاع خلافاً للعم (() ومنهما إلى فروعه نسباً ورضاعاً ولا تتعدى الحرمة منهما إلى أصوله او من في طبقته للأصل ولعدم الدليل على ذلك كا يجيء إن شاء الله تعالى فحكم من كان من أصوله او في طبقته مع المرضعة والفحل وأصولهما وفروعهما ومن في طبقتهما حكم الإجانب سوى ما يستثنى كما يجيء إنشاء الله تعالى والأصل في هذا المقام أن المفهوم من قوله (() للرضاع لحمه كلحمة النسب أن الرضاع مؤثر في المرتضع وفيمن ارتضع عنده لحمه كلحمة النسب لأن المرتضع هو المباشر للرضاع والحكم من قبيل الوصف المشعر بالعلّية فيختص حكم النشر به وبالجملة فالرضاع يدخل المرتضع من قوم في قوم آخرين فيكون منهم لا أنه يدخل قبيلة في قبيلة وكذا قوله وكذا قوله (() يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فإنه يفهم منه أن أثر الرضاع المحرم إنما هو بالنسبة إلى المرتضع ومن ارتضع عنده وليس لأهله وقبيلته دخل في ذلك وكذا الأخبار الخاصة فإن أكثرها واردة في خصوص المرتضع مع من ارتضع عندهم حلاً وتحريماً فيفهم منها ان المناط في الحل والتحريم هو ذلك وايضا فان قوله () )يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أمّا أن يراد به عموم ما للأفعال والأحوال والأوصاف المحرمة في النسب أو يراد به خصوص الموضوعات النسبية المحرمة ثم أما أن يراد بالتحريم تعلقه بخصوص النكاح أو عمومه لكل فعل ووصف وعلى كل حال فليس في الخبر دلالة على إثبات وصف عنواني من اوصاف النسب يكون لاحقاً للرضاع من حيثية أنه رضاع وحينئذٍ فالمعلوم تحريمه من الانساب إذا تحقق صدقه في الرضاع من تلك الاوصاف العنوانية المذكورة في النسب نحكم بتحريمه وما شككنا في كونه محرماً في النسب أما لعدم وجود وصفه العنواني فيه كأم ولد الولد وجدة الولد أو أم الأخ وإن أنحل بالاخوة إليه أو انحصر في الوجود الخارجي فيه أو فيه وفي غيره من المحرمات لم يكن محرماً في الرضاع وكذا ما شككنا في إثبات الرضاع لوصفه العنواني الذي لو ثبت لحرم بالنسب كما إذا شككنا أن الرضاع مثبت لأبوة الفحل لاخوة المرتضع أو لأبوة أبي المرتضع لأولاد صاحب اللبن أو لاخوة اخوة المرتضع لأولاد صاحب اللبن عرفاً أو لغة أو شرعاً فإنه لا يحكم بثبوت تاثير الرضاع فيه حرمة ولا غيرها من الاحكام بعدم القطع ثبوت الوصف العنواني فيه والأصل عدمه وكون أولاد أبي المرتضع إخوة له وهو قد صار أخاً لأولاد صاحب اللبن وأخ الأخ أخ ممنوع ولو سلّم ذلك فلا نسلم أن من عنوانات المحرمات النسبية الأختية للأخ كي يسري مثلها إلى الرضاع وبالجملة فالمحرم في النسب الأم والأخت والبنت والعمة والخالة وبنات الأخ أو الأخت فما ثبت صيرورته في الرضاع كذلك عرفاً أو شرعاً حرم أيضاً وما لم يثبت كذلك لم يحرم وإن عاد بالتحليل وقاعدة منع الخلو إليه أو إليه وإلى ما يحرم وكذا القول في تحريم الرضاع بالمصاهرة فإن المصاهرة الناشئة عن الرضاع إن كانت بمنزلة المصاهرة الناشئة وعن النسب التابعة له أثرت تحريماً وذلك كما إذا أثبت الرضاع نسباً يتفرع عليه حرمة حرمة المصاهرة لان حرمة المصاهرة متفرعة على ثبوت النسب فاذا اثبت الرضاع البينة تفرعت عليها حرمة أمها وإذا أثبت الولدية أو الوالدية تفرعت عليه حرمة نساء كل منهما على الآخر وإن لم تكن المنزلة بل كانت ناشئة عن الرضاع بالتحليل أو بمنع الخلو لم تؤثر تحريماً وذلك كما إذا أثبت الرضاع أما للأخ أو جدة للولد أو أما لولد الولد فإن هذه لا تحرم لعدم تفرعها على النسب أو ما هو بمنزلته لأن المحرم زوجه الأب أو الولد أو أم الزوجة أو بنتها كما هو مذكور في الكتاب العزيز وليس أم الأخ أو ولد الولد منها وإن اقتضى التحليل أو منع الخلو الرجوع إليها ولو خلق الله خلقاً صيرهم إخوة لنا لم يلزم علينا تجنب أمهاتهم لمكان كونهم إخوة وبالجملة فالمحرم علينا من الرضاع ما أثبته من كون الانثى بنتاً أو ما أثبته من كون الذكر ولداً فتحرم الأولى وتحرم زوجة الثاني ولو لم يثبت ذلك كما إذا أثبت كون المرضعة أم ولد الولد لم يحرم شيئاً سبب ذلك لعدم صدق كونها بنتاً عرفاً وعدم صدق كونها زوجة ولد لأن الزوجية والمصاهرة إنما تنشأ عن النكاح والمفروض عدمه وغايته أن الرضاع أحدث ما يلائم المصاهرة ويشابهها من حيث أن أم ولد الولد تلائم وتشابه زوجة الولد والملائمة والمشابهة لا تقضي بالتحريم لا يقال أن الرضاع كما جعل الاجنبي ولدك بعد أن لم يكن فأجرى عليه أحكام الولدية كذلك يجعل الاجنبية زوجة ابنك وإن لم تكن مقصودة عليها أو كانت زوجة آخر بمعنى أجراء أحكام الزوجية عليها لأنا نقول ذلك إنما حكمنا به بعد قوله يحرم من الرضا ما يحرم من النسب فما ينزل منزلة ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع ولم يقل يحرم من الرضاع ما يحرم بالمصاهرة كي نحكم بأن ما ينزل منزلتهما يكون محرماً وحينئذٍ فأم الولد مما تلائم الزوجية لا عينها مصداقاً أو مفهوماً وإن كان الموجود الخارجي غالباً يقضي بالاتحاد.
الرابع:إذا رعيت الضابط المذكور عرفت أن جملة من النساء لا تحرم بالرضاع وإن أمكن رجوعها بالتحليل إلى ما يحرم.
منها: أم الأخت والأخت من الرضاع فإنها لا تحرم وإن كانت في النسب لا تخلو عن كونها أمّاً أو زوجة أب وذلك لعدم كونها من العنوانات المحرمة في النسب ولا في المصاهرة نعم تلائم ما يحرم بهما على أن المصاهرة فيها غير متفرعة على النسب وإنما هي مشابهة لها ومنشؤها نفس الرضاع.
ومنها: أم ولد الولد في الرضاع غير محرمة وإن كانت في النسب لا تخلو عن كونها بنتاً أو زوجة ولد لعدم كونها من العنوانات المحرمة نسباً أو مصاهرة أولا وبالذات وإن عادت عند التحليل إليهما.
ومنها: جدة الولد رضاعاً غير محرمة وإن كانت في النسب لا تخلو عن كونها أماً أو أم زوجة لأنها ليست من العنوانات المحرمة نسباً ولا مصاهرة وإن انحل إليهما بسبب الرضاع ومن ذلك ما لو أرضعت الزوجة ولد ولدها فإنها لا تحرم على زوجها من جهة صيرورتها جدة ولده برضاعها إياه سواء كان ولد الولد من زوجها أو من غيره.