انوار الفقاهة-ج25-ص13
(ثالث عشرها): لا شك ان دين الميت بعد موته يتعلق بتركته ويؤخذ منها إذ ليس له بعد الموت ذمة يمكن الوفاء منها سوى تركته ويدل عليه الكتاب والسنة ولا يتفاوت بين كون الدين خالقيا من خمس أو زكوة أو نذر أو كفارات أو مخلوقيا معلوم أهله أو مجهول نعم يقوى القول بخروج ما أخذه السلطان وجنده باسم الخراج والزكاة بل كل ما يأخذه بعنوان الولاية من الأمور الراجعة إلى الحاكم الشرعي وان لم يصرفها بمصرفها وكذا ما يأخذه القضاء موافقا لمذهبهم من رشوة واجرة على القضاء ونحو ذلك فان ذلك كله لا يؤخذ من تركة الميت وفي الحاق ما يأخذه الجائر من المعتاد في الظلم كأخذ العشار والأموال التي تؤخذ على الدفن وجزية الرجال العابرين والزوار المترددين وجه ضعيف الأقوى خلافه وكذا لا شك في ان للوارث تعلق بها أيضاً وانما الكلام في أن الميت لو كان عليه دين مستغرق أو دين في الجملة فما حكم التركة اجمع في الأول وما حكم ما قابل الدين في الثاني فهل تنتقل عن الميت أم لا وهل انتقالها بعد القول به لمن يكون وعلى الثاني هي باقية على ملك الميت بناء على ان الميت له قابلية الملك أو على حكم ماله بمعنى انها لا يملكها احد ولكن هي بحكم أمواله فتعود الى الوارث بعد ذلك أو بعد ملك الله تعالى لها وعلى الأول فهل يملكها الغريم ملكاً متزلزلاً يستقر بعدم الوفاء والإبراء وينفسخ بالوفاء والإبراء وأنه يملكها الوارث ملكاً متزلزلاً يستقر بالوفاء والإبراء أو ملكاً تاماً ولكنها كالرهن بيد الغرماء أو ملكاً تاماً ولكنها كالجاني خطأ بيد المجني عليه فإن له تعلق بالعين أو الخيار بيد المالك إن شاء دفع العين وإن شاء فكها وإن متنع كان للمجني عليه فإن شاء استرقه وإن شاء قبل الفدية وللمالك التصرف في الجاني إلا إنّ تصرفاته موقوفة أو ملكاً متزلزلاً على وجه الرهانة أو إرش الجناية ومع ذلك فالظاهر إنه لا كلام في إن الوارث أولى بالعين من الغرماء فلو أرادوها أو أرادوا بعضها لوفاء دينهم لم يكن لهم ذلك مع وفاء الوارث لهم مالهم في ذمة الميت نقداً أو عرضاً قيمة أو مثلاً كما إن الظاهر انه لا خلاف إنه مع وفاء الدين تنتقل إلى الوارث حين موت المديون لا حين الوفاء أما على الكشف أو على النقل نعم يشكل على النقل فيما لو مات المديون عن ولدين فات أحدهما قبل الوفاء وخلف ولداً ثم حصل الوفاء فإنه يشارك ابن الأخ عمه ولكن يلزم تمليك أبيه بعد موته وهو خلاف ما هو مسلم عندهم إن الميت لا يملك ابتداء أو تلتزم بعدم المشاركة وكلاهما لا نقول به والأوجه إن القائل إنها بحكم مال الميت يقول بالكشف عن ملك الورثة عند الوفاء من حين موت الموروث نعم قد يترتب على الانتقال إلى الورثة أو بقاؤه موقوفا على حكم مال الميت مسألة النماء فعلى القول بالانتقال ليس للغرماء فيه نصيب وعلى البقاء فيتعلق للغرماء به حق الوفاء ويترتب على ذلك تغسيل الأمه بعد موت مولاها فعلى الانتقال يجوز للوارث تغسيلها وعلى القول بعدمه لا يجوز ذلك وكذلك كفنها وكذلك في وجوب إخراج الزكاة على الوارث في وجه وعمدة استدلال أهل الانتقال انه لو لم تنتقل إلى الوارث لزم بقاء الملك بلا مالك لان الميت لا يملك والغريم لا يملك إجماعا ولو كان ملكا لله لكان مصبّه اوعية المساكين ولا قائل به وفيه منع ان الميت لا يملك ومنع ان ملك الله مصبه اوعية المساكين لا غير ومنع عدم بقاء الملك بلا مالك وعمدة استدلال أهل القول بالبقاء ظواهر الكتاب والسنة حيث جعل الإرث المقرون باللام الظاهرة في الملك أو الاستحقاق بعد الوصية والدين وفي بعض الأخبار ما صرح فيها بذلك وهي كثيرة ومنها يظهر سند المنع المتقدم حيث ان الوارث إذا لم يملك عاد إلى الميت ونفسه باقية قابلة للملك أو عاد إلى حكم ماله نعم بعد الوفاء أو الإبراء ينكشف انه للوارث من الابتداء وقد يقال إن ما دل على تأخر الميراث عن الدين يراد به الاستقرار وصيرورته ميراثا غير متزلزل فلا ينفسخ بالامتناع من الوفاء أو بعدم تمكن الوارث منه وهذا استعمال كثير في المحاورات فكأن الملك المتزلزل بمنزلة العدم و حينئذٍ فملك الوارث ملك ناقص وقد يقال إن التركة تبقى موقوفة لا يحكم عليها بشيء بل مردودة بين ملك الغريم وملك الوارث فبعدم الوفاء تكون ملك الأول وبه تكون ملك الثاني ونمنع انعقاد الإجماع على نفي هذه الصورة وبها نجمع بين الأدلة ثم ان الظاهر من القائلين بملك الوارث لها يقولون بتعلق حق الغريم به بحيث لو لم يتمكن من الوفاء أخذها من الوارث إنما الكلام لو رتب الوارث عليها عقوداً فهل يطالب الوارث بقيمها وأثمانها وليس له العين إلا على سبيل المقاصة فليس له أن يفسخ العقود المترتبة فعلى هذا يكون تعلق الغريم بها تعلقا مستقلا مع احتمال ان التعلق كتعلق الرهانة فلا يصح تصرف الوارث إلا مع الاجازة من الغريم أو الوفاء أو الإبراء فعقود الوارث حينئذٍ موقوفة على الاجازة وإلا فهي باطلة واحتمال أنه كتعلق جناية الخطأ فالعقود من الوارث صحيحة نعم للغريم فسخها وأخذ العين فإن لم يتمكن من العين طالب بالمثل والقيمة أو كتعلق جناية العمد فتكون العقود متزلزلة واحتمال أنها موقوفة فإن أختار الغريم القيمة تبين صحة العقود السابقة واستمرت وإلا فسخها من حينها ولكن هذا بعيد وعلى كل حال فلا يستحق الغريم سوى العين أو ما قابلها وتكون هنا عند الغريم على قدر قيمتها لا أزيد من ذ لك وليست كطرف الرهن المعروف ولو كانت العين زائدة على الدين فالكلام فيما قابل الدين منها كالكلام في المتفرق مع احتمال أن يقال ان الجميع رهن لا يجوز التصرف قبل وفائه ويؤيده انه لو حصل التصرف فيها اجمع ولم يوف الدين لم يكن المتزلزل منه معروفاً كي يتسلط الغريم على فسخه واحتمال أن له الخيار احتمال بعيد وقد يحتمل جواز التصرف للوارث في الجميع ونفوذه ويطالب في القيمة بقدر الدين سيما لو كان الدين قليلا والتركة كثيرة وقد يحتمل أن ما يكون قابل للدين مشاعا في جميع التركة بمنزلة الرهن فعند عدم الوفاء ينفسخ من كل عقد بقدر ما فيه من المشاع إلى جميع التركة والأقوى إن الدين إذا لم يستوعب التركة يكون قدراً كلياً منها كالرهن عند الغرماء بحيث لو تلف من التركة دون تفريط ما تلف فالباقي يكون للغريم ولا يتقسط عليه في وفاء دينه وكذا لو ترتب على التركة عقود من الوارث كان للغريم فسخ ما قدر عليه منها أو مطالبته بالمثل والقيمة وعلى كل حال فليس للغريم سوى أقل الأمرين من التركة ومن دينه ولذا قال جماعة بأن حق الديان كحق ارش الجناية ويمكن القول بالتفصيل بين ما إذا ستغرق الدين فحق الديان كحق الرهن في العين بل في منافعها وبين ما لم يستغرق فتعلق الغريم في قدر ما قابل الدين كتعلق ارش جناية الخطأ في العبد وبالجملة فالمقطوع به ان الغريم لا يخلو من التعلق بالعين بحيث ان الدين يعود لذمة الوارث وتكون العين له لا حق للغريم فيها بوجه من الوجوه.رابع عشرها في الحجب وهو في اصطلاحهم منع شخص لأخر قام به سبب الإرث عن كل نصيبه أو عن اوفره والأول حجب الحرمان والثاني حجب النقصان فالأول منع الأقرب في الدرجة الواحدة الأبعد كمنع الولد ولد الولد ومنع الأخوة أولادهم ومنع الجد القريب الأبعد ومنع الأقرب من أولى الأرحام الأبعد كمنع العم ابن الخال وكذا العكس خلافاً لبعض من المتآخرين ومنع عمومة الميت ابيه وكذا في الخؤلة ومنع المتقرب بالأبوين المتقرب بالأب من أولى الأرحام إلى غير ذلك مما يجيء مفصلا وكذا منع الأرحام ومنع المنعم ضامن الجريرة وضامن الجريرة الإمام ( ووجود مشارك في النصيب كاشتراك الأولاد مع الأبوين واشتراك بعضهم بعضا لا يسمى حجبا وإن كان بحيث لو عدم الشريك لكان الميراث له والدليل على ان الأقرب يمنع الأبعد آية أولى الأرحام فان تدل على ان الأقارب تمنع الأباعد منطوقا صريحاً وتدل على منع الأقرب من الأقارب الأبعد فحوى والإجماع الدال على ذلك أيضاً واما الحجب عن بعض النصيب فحجب الولد الأم عما زاد عن الثلث وحجبه للابوين كذلك وحجبه للزوج عما زاد عن الربع وحجبه للزوجة عما زاد عن الثمن وحجب الأخوة للآم عما زاد عن السدس نعم البنت والبنتين فإن البنت مع الأبوين يبقى سدس يرد على الجميع ومع واحد يبقى ثلث يرد كذلك والبنتان مع احد الأبوين يبقى السدس يرد على الجميع بالنسبة والزوج يرد عليه إذا لم يكن وارث سوى الإمام( للنصوص والفتاوى والزوجة قيل يرد عليها الرواية غير صريحة في الزوجة لأن فيها خلف امرأة وهو أعم من الزوجة مع احتمال كونها قرابة له واحتمال إن ذلك إذن من الإمام ( واحتمال أنه صدقة منه عليها وقيل لا يرد مطلقاً استناد العموم ارث الزوجة كتابا وسنة والأصل عدم الرد وللأخبار الخاصة الدالة على رجوع الزائد على الربع إلى الإمام ( فإنه أمر بحمل الفاضل عن الربع إليه والدالة على التصدق بما زاد على الربع لظهور ان الصدقة به لكونه من الأنفال فللإمام ( أن يتصدق بماله بل الظاهر من الأخبار والاعتبار إن ما للإمام ( مما عدا الخمس أنه يتصدق به عند عدم إمكان إيصاله إليه ( لأنه أقرب الأشياء إلى انتفاع الإمام ( به بعد فرض انه حفظه غير ممكن وابقاءه مظنة التلف وايداعه في الأماكن الخفية مظنة أخذه وهلاكه بل اذن الفحوى القطعية تشهد بذلك والمتولى لذلك الحاكم الشرعي حيث انه نائب عنه فيما أولى من ذلك من القضاء والحدود ومال الخمس بل هو مال غائب والحاكم الشرعي وليه عليه بالنيابة عنه لما ورد في مال الغائب من الرجوع به إلى الحاكم الشرعي فان لم يكن الحاكم الشرعي فعدول المؤمنين وقيل بالتفصيل بين غيبة الإمام فيرد عليها وبين حضوره فلا يرد جمعاً بين مادل على الرّد والمنع وفيه ان الجمع فرع التكافؤ والقول بالرّد ضعيف في الفتوى والنّص فلا يكافىء مادّل على عدمه على انّ مادّل على الرد وارد في الحضور دون الغيبه ودعوى انّ الحضور كالغيبه باعتبار عدم تسلط الإمام ( فيكون مورد الخبر من موارد الغيبه بعيد كل البعد والاحوط الرّد عليها بنية انها مصرف له إذا كانت ممّا يدفع إليها من ذلك لاتصّافها بالفقر وشبهه بناء على ان مصرف الأنفال الفقراء والمساكين أو باقي الصدقات خامس عشرها حجب الأخوة الأم عما زاد على السدس بشروط:
أحدها:ان يكونا اثنين فما فوق ذلك ذكرين أو أربع اناث أو خناث ومثله الممسوحون أو ذكر وأنثيين كل ذلك للنصوص وفتوى الأصحاب وقيام الأنثيين مقام الذكر دّل عليه النص الخاص المعتبر المنجبر بالفتوى والنص وفحوى مادل على قيام الأربع مقام الاثنين وماذكرناه شاهد على إرادة الاثنين فما فوق من صيغة الجمع في الآية حقيقة فيكون الجمع للقدر المشترك أو مجازا مع احتمال إرادة الجمع وجاء كفاية الاثنين من الدليل.
الثاني:ان يكون الأخوة حيين فلا اعتبار بالميتين لعدم شمول الأدلة لهما.
الثالث: ان يكونا منفصلين فلا يحجب الحمل قبل انفصاله ولا بعد انفصاله ولو سقط حيا بعد موت الولد بل لاعبرة به ابتداء عند موت أخيه ولايكشف سقوطه حيّا عن حجبه كما في الميراث كل ذلك لانصراف الأدلة لغير الحمل وانصراف لفظ الأخ والأخوة إلى المنفصل ولأصالة الميراث وأصل عدم الحجب خرج المنفصل لدليل وبقي الباقي.
الرابع: حياة الأب اقتصارا في الحجب عن الميراث المقطوع به كتابا وسنة على مورد اليقين ولظهور الاية بذلك حيث انه جعل الثلث للام فيمن ورثه ابواه ثم عطفه فان كان له أخوة فلامه السدس وظاهر ذلك ان الحكم مع وجود الأب ولما ورد من التعليل ان حجب الأخوة لمكان توفير نصيب الأب للانفاق عليهم وما ورد في بعض الأخبار مما ينافي ذلك ضعيف مشتمل على ما لا نقول به فلا يلتفت إليه.
الخامس:العلم بتقدم موت الولد على الأخوة فيما لو ماتوا جميعا فاشتبه اللاحق بالسابق اقتصارا في الحجب على مورد اليقين وكذا لو علم اقترانهما في الموت فانه لا حجب السادس كونهما مسلمين فلا يحجب الكافر المسلم للنص والفتوى السابع كونهما حرين فلا يحجب الحر الرق للنص والفتوى الثامن كونهما حلالا فلا يحجب ولد الزنا ولا ولد اللّعان أمه التاسع كونه غير قاتل عمدا وربما يلحق به الخطأ بالنسبة إلى الدية لفتوى المشهور والإجماع المنقول بالنسبة إلى قاتل العمد وقاتل الخطأ بالنسبة إلى الدية حكمه حكمه العاشر كونها لأب أو لاب وأم للنص والفتوى الحادي عشر ان تباين الأم احد النساء فلو كانت أحدهن لم تؤثر في الحجب كما إذا تزوج الرجل ابنته شبهه.