انوار الفقاهة-ج24-ص37
الحـادي والسـبعون: يحرم التكسب عيناً ومنفعة فيما لا يدخل في رفع اليد من جهة الاختصاص بغير الكلاب الأربعة الآتية إن شاء الله تعالى للإجماع منقولاً بل ومحصلاً على الظاهر وللأخبار الدالة على تحريمها خصوصاً وعلى تحريم بيع مالا نفع فيه وعلى بيع النجس وعلى بيع السباع ولأن مقابلته بالعوض سفه عرفاً نعم يجوز اقتناؤها بل ويجوز المعاوضة على رفع اليد عنها وأما الأربعة فأحدها كلب الصيد المعلم القابل له وبالفعل فإنه لا كلام في جواز المعاوضة عليه وإجارته لشمول أدلة العقود له من غير معارض من جهة عدم الانتفاع به انتفاعا يعتد به ضرورة تحقق النفع التام فيه عادة ولا مانع من جهة كونه نجساً عيناً إذ النجاسة مع حصول الانتفاع الشرعي أو العادي فيه غير مانعة في النقل والانتقال لعدم منافاة النجاسة للمنفعة المعد لها من الصيد وإنما ينافيها فيما إذا اتخذ للأكل والشرب أو الاستعمال المؤدي إلى الاستقذار والتنجيس ولخصوص الروايات الدالة على أنَّ ثمن الكلب سحت إلا كلب الصيد وإن ثمن كلب الصيد لا بأس به، والإجماعات المنقولة الدالة على جواز بيعه والشهرة المحصلة بل ربما يدعى الإجماع المحصل على ذلك وصفه الصيد به لا يشترط فيها النية فلو غفل عن القصد أو قصد عدمها جاز بيعه وهل يلحق بالصائد فعلاً القابل له وجه والأوجه خلافه بناء على أن مبدأ لأشتقاق الفعل والقابلية بالفعل لا أنه يكون أو قابلاً لأن يكون فلا يجري الحكم على الصغير ولو علم أنه لا يكون لحقه حكم كلب الهراش من جواز اقتنائه أو التغيير حتى أمه وعدمهما والاختصاص به وعدمه وكذا لو زال قابلية الصيد عنه لكبر أو مرض لا يرجى عوده أو تغيير طبيعته فيه نعم يجوز اقتناء المأمول للصيد ولصاحبه الاختصاص به زيادة على كلب الهراش ولو انتفى الصيد لعدم الحيوان الذي يصان فالظاهربقاء حكم الصيد له ولا فرق في كلب الصيد بين السلوقي وغيره وبين البهيم الأسود والسلوقي منسوب إلى قرية سلوق في اليمن لعموم الأدلة وفتاوى الأصحاب فالقول بالاختصاص بالسلوقي كالقول بالمنع في البهيم الأسود ضعيف وحينئذٍ فلا يتفاوت بين كلب الصيد السلوقي والبوجي وغيرهما بعد أن يكون معلماً أو في أثناء التعليم بل لا يبعد أنه لو كان من صنف معروف بقابلية الصيد وقوته قريبة من الفعل كبعض الأصناف المعروفة عند أهلها لحقه حكم كلب الصيد المعلم ثانيها (كلب الماشية) غنماً أو غيرها، ثالثها (كلب الزرع) في حائط أو لا، رابعها (كلب الحائط الدائر على زرع) أو لا ويلحق به كلب الدار والبيوت كبيوت العرب وكلب الخان والسوق وقد يجعل المدار في الكل واحداً وهو الحارس لما أعد له من دار أو بستان أو زرع أو ماشية أو خان أو نفس محترمة كنفس صاحبه أو عرضه أو ماله سواء حرس من حيوان أو إنسان أو كلب أخر سواء حرس بصوته أو نهشه أو نبحه وقد يجعل المدار على الكلب المنتفع به يعتد به نفعاً فيشمل كلب الصيد ولكن لما كان كلب الصيد لا كلام في جواز وقع البحث في الباقي ولذا عبر بعضهم بكلب الماشية وبعضهم بكلب الزرع وبعضهم أزاد وبعضهم نقص وحينئذٍ فخرج عن محل البحث الكلاب السائبة التي لا نفع فيها بل لا يحصل منها سوى الضرر ولا يترتب على اقتنائها نفع يعتد به ولو لبطلان منفعتها لعارض من العوارض سوى أن الماشية لو هلكت والزرع لو تلف لم يتغير الحكم أستصحاباً للحكم والاسم والفرق بين زوال الأثر وعدم وجود ما يؤثر فيه ظاهر وعلى كل حال فهذه الكلاب الثلاثة وما يتبعها في الإسم أو الحكم ولو بتنقيح المناط التي وقع البحث في جواز بيعها وعدمه بعد الاتفاق على جواز اقتنائها وجواز المعاوضة على رفع يد المختص بها عنها بل ويظهر من العلامة ( وجماعة أنه لا كلام في جواز أجارتها بل ويظهر من بعض آخر أنه لا كلام في ملكها واحترامها لثبوت الدية على متلفها وجواز نقلها مجاناً بهبة ونحوها ولا كلام في المعاوضة عليها لغير البيع والصلح كجعلها مهراً في النكاح بقسميه أو ثمن خلع أو عوض منفعة أو أنه يجوز دفعها والوصية بها بل ويجوز جعلها ثمن مبيع قد يسلط البيع على غيرها لأن الممنوع أن تكون مبيعاً لا أن تكون ثمناً له وكأن هذا القائل غفل عن قاعدة مساواة الثمن للمثمن في الأحكام وغفل عن نواقل العين متساوية في المنع في هذه المقامات المعللة بالنجاسة والخبث وغفل عن أن الإجارة لا تستلزم جواز نقل العين كأم الولد والحر وغفل عن أن الملك لا يستلزم جواز التملك كالوقف الخاص وما لا يتمول وعلى كل حال فقيل بالمنع عن بيع هذه الكلاب بل نقلها مطلقاً استناد إلى عموم ما جاء أن ثمن الكلب سحت عدا ما استثنى وإلى عموم ما دل على منع بيع النجاسات وخصوص السباع خرج الكلب الصيود وبقي الباقي ورداً على القول بالجواز بأن رواية الجواز مردودة بالارسال واصلهم مقطوع وعموماتهم مختصة بما مر من الاستدلال وتضعف الشهرة بوقوع الاختلاف في عباراتهم بين جامع للثلاثة وبين مقتصر على الحائط والماشية وبين مقتصر عليها مع الزرع والاحتجاج بثبوت الدية لها مردود بأنه غير ظاهر في الملك أن لم يكن ظاهراً في عدمه وثبوت الغرامة أعم من الدية فلعلها عقوبة وجواز الإجارة محل بحث وجوازها لا يدل على ملك العين فضلاً عن جواز بيعه وتمليكه وملك المنفعة لا يلزم منه جواز تمليكها فضلاً عن ملك العين وجواز تمليكه وقيل بجواز بيعها استناداً إلى الشهرة المنقولة والمحصلة وإلى ظاهر بعض ما يؤذن بالإجماع نقلاً وإلى جواز إجارتها كما هو ظاهر الأصحاب وإذا جازت جاز بيعها كما هو ظاهر الأصحاب من الملازمة بينهما وإلى الرواية الدالة على جواز بيع كلب الماشية و الحائط والفرق بينه وبين كلب الزرع منفي بظواهر الأدلة العامة الدالة على التسوية وفتوى المشهور وإلى أن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه بان مفهومه إن لم يحرم لم يحرم والانتفاع بهذه الكلاب في هذه الجهة المعدة لها واقتناؤها حلال فثمنها من تلك الجهة حلال وإلى العمومات الدالة على صحة التكسب بما فيه نفع للعباد والنهي عن التكسب بنجس العين خاص بغيرها لاشتمالها على نفع يعتد به عادة ولا ينافيه نجاسة عينها ولو نافى ذلك لنافى إجارتها وهبتها وأعارتها وديتها واحترامها ونقلها بعوض خلع أو مهر وأما عموم ما دل على أن ثمن الكلب سحت فمنه ضعيف لا يستند إليه ومنه مخصوص بما ذكرناه من الأدلة ومنه ما يراد به الكراهة كما عبر بذلك في باب (مكروهات الصنائع) وقد يستند أيضاً إلى ظواهر بعض كلمات أصحابنا الدالة على التسوية بين كلب الصيد وغيره وأن من أجازبيع ذلك أجاز بيع هذه وإلى ظواهر بعض اجماعات منقولة على أن كل ما فيه نفع يعتد به محلل يصح التكسب به وإلى ظاهر خبر (تحف العقول) أن ما فيه مصلحة من مصالح العباد يجوز التكسب به وبعض القائلين بالجواز من المتأخرين قد أفرط بالتشنيع على القائلين بالمنع وذكر جملة من عبائر الفقهاء المجوزين وجملة مما ذكر من الأدلة الدالة على الجواز إذ هو معذور حيث غلبت عليه عبارات الفقهاء وعمومات أدلة الجواز فحسب أنهم لم يطلعوا عليها وكيف لم يطلعوا وهي بمرأى منهم ومسمع وبيانها إليهم (كناقل التمر إلى هجر) ولكنهم غلبت عليهم متانة الفقاهة المأخوذة من قواعد المنع وعموماته وخصوصياته المخصصة لأدلة الجواز والقادحة في ظواهر بعض الأجماعات وظاهر الشهرة ويكفي في دليل المنع جريان سيرة المسلمين على عدم بيعها كما لا يبيعون السنور ونحوه ولو كان لبان ولتداولوه لعظم نفعه وكثرة تداوله وزيادة محصوله فلا شك أن دليل المنع أقوى وأحوط وهو شاهد أقوى للمتأمل الذكي وإن كان القول بالجواز قوياً أيضاً وذكر الفقهاء أن لكلب الصيد دية عند قتله أربعون درهماً وللثلاثة الباقية عشرون وتخيل بعضهم أنها قيم لها ولو جنى عليها جان أحتمل الرجوع لتقسيط الدية واحتمل الرجوع لتفاوت القيمة مطلقاً وإن لم تزد على الدية وسيجيء الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى .