انوار الفقاهة-ج24-ص35
الثامن والستون : يحرم التكسب بالجناية والسرقة فيما لا يجوز ذلك ثمناً ومثمناً فإن جعل المخان فيه والمسروق أحد ركني المعاوضة بطلت المقاصة وكان حراماً مع قصد المنقل والانتقال والتصرف ولو تجرد العقد عن ذلك لم يحرم مجرد اللفظ لأنه ليس بتصرف ويضمن السارق السرقة ضماناً لا رجوع فيه بعد التأدية وقبلها بالمثل إن كانت في المثليات والقيمة إن كانت في القيميات قيمة يوم التلف على الأقوى وضماناً يرجع فيه لو وصلت إليه من الغير بوجه لا اقدام فيه على الضمان كهبة ونحوها أو بوجه مضمونه عليه بنفسها دون ما يبقيها كعارية مضمونة أو بيع أو شراء مع جهله بكونها مال الغير فإنه يرجع في الأول بجميع ما غرم من مثل العين وقيمتها أو غيرها وفي الثاني بما عدا مثل العين وقيمتها دون نفس قيمة العين ومثلها فلا يرجع بهما وفي الثالث مع جهل الدافع أيضاً بالثمن المدفوع لو دفعه إليه أو بما زاد على الثمن مما غرمه من قيمة العين وغيرها سواء حصل له نفع في مقابله أم لا أمّا ما لم يرجع فيه فلإقدامه على الضمان فلا يكون مغروراً من جهة فتبقى الأصول سليمة عن المعارض والقول بأن الأقدام على ضمان المبيع بالثمن في صحيح البيع اقدام على ضمان مطلق القيمة فلا يرجع بالزائد وان النفع المستوفي مال محترم وصل إليه فيضمن عوضه ضعيف لا يعارض المحكمة المنجبرة بفتوى الأصحاب وبعض الأخيار وأما ما يرجع فيه فلأنه مغرور فلا اعتدا عليه والمغرور يرجع إلى من غره ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ولو اخذ عليه الضمان من دون رجوع على تقدير ظهور المالك قوي عدم الرجوع لعدم الغرور هذا كله مع الجهل أمّا مع العلم فلا رجوع له بغير ما دفع إليه من العوض لاستقرار الضمان عليه وليس بمغرور من قبله ومن جاء الضرر إلا من قبيله والمباشر أقوى من السبب وللإجماع بقسميه وأما دفعه من العوض فلا رجوع مع تلفه على الأظهر الأقوى في ثمن أو مثمن في بيع أو إجارة أو غيرهما على الأظهر للإجماع المنقول في ثمن مبيع المغصوب قيل والمحصل والمنقوله منه في الغصب والفضول مبني على المثال ولتسليطه على إتلاف حاله ولهتك حرمته وأما مع بقائه فإن في غصب أو فضولي فقد قيل بعدم الرجوع فيه غره المالك أم لا للإجماع المنقول فيهما من جماعة فيقتص فيما خالف الأصل عليهما ويؤيد الإجماع المنقول فيهما فتوى المشهور نقلاً وتحصيلاً والاعتبار بموافقة اللطف من سد باب الفساد على العباد وعدم التجري على أموال الناس وقيل بتسرية الحكم إلى غيرهما لأنه كالهبة لدفعه بلا عوض وكالتبرع بالعمل الذي لا يستحق صاحبه عوضاً ولأنه كالمال المعرض عنه يملكه قابضه لخروجه عن ملك الأول بالاعراض ودخوله في ملك الثاني لحيازته وقبضه وهو ضعيف لمنع كونه بمنزلة الهبة بعد بذله بالعوض الصوري من ظهور المجانية ومنع لزوم الهبة من غير الرحم والمعوضة حقيقة ومنع حصول الأعراض من الدافع بعد أن كان الدفع على جهة المعاوضة الصورية ومنع اللزوم في المال المعوض عنه وعلى تقدير عدم الرجوع فلا يخلو المقام من وجوه أحدها الخروج من ملك الدافع والدخول في ملك المدفوع الهي فيكون حلالاً عليه وحراماً على الدافع . ثانيها البقاء على صلة الدافع ولا سلطان له عليه ولكنه حلال على المدفوع إليه وإن فعل حراماً بأخذه ابتداء ولكن المالك الأصلي أحلَّ له . وثالثها حرام على المدفوع إليه لا يترتب عليه ضمان وحرام على الدافع المطالب به . ورابعها الخروج عن ملك الأول وعدم الدخول في ملك الثاني فيكون كمال حجية الشرع عن مالكه فيرجع أمره إلى الحاكم ويكون بمنزلة المباحات والأقوى الرجوع إلى القواعد المحكمة شرعاً وعقلاً من تسليط الناس على أموالهم وأصالة بقاء المالك لمالكه وأصالة عدم النقل والانتقال وتبعية العقود للمقصود والتجارة عن تراضٍ فيحكم ببقاء الملك وحرم التصرف من المدفوع إليه بل وضمانه له مع المطالبة به قبل تلفه ويجب التخلية بينه وبين مالكه وإن لم يجب رده كرد المغصوب الذي يؤخذ بأشق الأحوال وقد يحمل منقول الإجماع على عدم جواز المطالبة برده وأخذ مال عوضه مع بقائه وعدم الوصول إليه لمكان الحيلولة وقد روى عن الصادق (() في الرجل توجد عنده سرقة أنه غارم ما لم يأت على بائعها شهود وأفتى بمضمونها في النهاية والمراد أنه لو أدعى المالك سرقتها وأدعى الآخر شراءها منه أو عدم الضمان فلا رجوع من المالك إذا أتى بشهود على شرائها من غيره أو أتى بشهود على شرائها من غيره فإنه لا يغرم غرامة مستقرة للمالك فيما لم يقدم على ضمانه لضعف المباشر بعد أن أتى بالشهود على شرائها من غيره وكل منهما ظاهر ومن غصب مالاً فاشترى في الذمة فدفع المغصوب عوضاً عما في ذمته صح بيعه وبقي مشغول الذمة ومطلوباً بالمغصوب إلا إذا أجاز المالك دفعه ولو نوى المشتري في شرائه أن يدفع المغصوب عوض الثمن الكلي في ذمته ابتداء فالأقوى الصحة والأحوط البطلان.
التاسع والستون: لا يجب التكسب بكتابة القرآن وكتب الحديث والفقه والمقدمات المتوقف عليها علم الفقه وكتب العقائد والرد على أهل الباطل مع وجوبها لو آلت إلى الاضمحلال والزوال والعياذ بالله تعالى لوجوبها كفاية حينئذٍ فلا يجوز أخذ الأجرة عليها واحتمال أن وجوبها مشروط بالعوض ساقط لا نرتضيه نعم لو كانت الكفاية حاصلة بالموجود الآن كما هو كذلك كانت مندوبة ويصح التكسب بها بل هي من أعظم القربات لجبار السماوات ومع الاضطرار إليها واحتياج الشريعة لنسخها فلا يبعد وجوب بذلها للقادر على ذلك من مداد وقلم وقرطاس لأن ذلك في معنى الجهاد الواجب ولا يجوز التكسب بتصحيحها لو توقفت الأحكام الشرعية والمعارف عليه ولم يكن في الموجود الكفاية ولا توقف الآن من (منن الرحمن). ومثل ذلك تصحيح الكتاب المجيد إذا خيف عليه من التحريف والنقص ومع عدم ذلك فلا يجب. نعم يندب عيناً لكل ناظر لموافقة التعظيم والاحترام.