انوار الفقاهة-ج24-ص31
الواحد والستون: يحرم التكسب بما يجب على الأجير فعله عيناً أو كفاية سواء اشترك المستأجر في الكفاية أم لا أما الواجب التعييني فهو إجماعي نقلاً وتحصيلاً وإن الاستئجار سفه وعبث لعود النفع فيه للأجير لا للمستأجر ولو فرضنا عود نفع للمستأجر في الجملة كمن أستأجره على صلاته ليتعلم الصلاة بسبب ذلك أو التجويد أو الأفعال الواجبة أو المندوبة أو يصلي خلفه أو يصوم ليشتغل بخدمته فلا يزاحم أكل ولا شرب فهو نفع لا يعتد به في باب المعاوضة ولا يصلح مصحح للمعاوضة ولعدم القدرة على تسليم المستأجر ما فعله من الواجب عليه لأن الواجب عليه يعود نفعه إليه ويحتسب له لا للمستأجر ولو وقع التسليم بنية أن الفعل له أو عنه فبطل العمل وفسدت الإجارة ولأن شأن الملك والتمليك قبوله للإبراء والتأجيل والإقالة والإعراض والنقل لغيره بحيث يترتب على ذلك فائدة ولا يرى ذلك هنا ولأن الواجب مملوك لله ومستحق له فلا يمكن تمليكه لغيره ونقله وإن أمكن تضاعف الالتزام به بنذر وشبهه فالفرق بين تضاعف الالتزام والملك والتمليك ظاهر وبالجملة فآثار التمليك الشرعي ولوازمه لا تنفك عنه شرعاً تنافي كونه واجباً خالقياً عليه فإن العبد يملك مولاه جميع منافعه ولا يملك ما فرضه الله عليه تعالى ضرورة أن التمليك وكذا الأجير الخاص فإنه من البديهي استثناء ما فرض الله تعالى عليه ضرورة أن التمليك سلطنة وولاية وليس للأنسان سلطنة وولاية على ما وجب عليه فالمنافاة بين الواجب وبين جواز نقله وتمليكه ذاتية شرعية وليست منافاة عقلية كمنافاة الزوج والفرد كي يستغرب ذلك ويقال إن الواجب قد تتعدد أسبابه كالواجب المنذور وقد تجتمع الجهات الشرعية على واحد كتعدد وجهات الخيار وأنه لا منافاة بين الوجوب والعوض لاحترام عمل المسلم وعمله كإرضاع الأم اللبن الواجب عليها وبذل الطعام للمضطر وأخذ الوصي الجعل على ما وجب عليه وأخذ أهل الصنائع الأعراض والأستئجار للجهاد لأن الفرق بين ما ذكرناه وهذه الأمثلة واضح بديهي ضرورة أن جميع هذه الأشياء نفعها يعود للغير وليس للواجب عليه نفع يعود له فأمكن الجمع بين احترام عمل المسلم وبين الوجوب عليه بأنه يلزمه الفعل ويطالب بعوضه بخلاف ما ذكرنا من الواجبات العينية العائد نفعها للمكلف على أن يرجع الوجوب يعود في هذه أنه مشروط بالعوض ولو من جهة ظهور الخطاب بذلك أو من جهة الجمع المزبور ودعوى وجبت مطلقاً فيملكها الغير بعد وجوبها بعوض فيجب عليه دفعه ليس له وجه يعتد به على أن محل المسألة أن الواجب على شخص هل له أن يتكسب به بالاستئجار عليه أم لا وليس عليهما أنه يوجب الله شيئاً ويجوز أخذ العوض عليه إذا عاد نفعه للغير على أنه من المعلوم البديهي أن أكثر هذه الواجبات مشروطة بالعوض كما يدل عليه كلام الأصحاب والسيرة القطعية وإلا لوجب على الإنسان الفعل أولاً ثم المطالبة بالعوض ولا قائل بذلك في الصنائع وشبهها وبالجملة فما جاء من الواجب مشروطاً بالعوض وظهر ذلك من الخطاب كالعائد نفعه لغيره لا كلام فيه إنما الكلام فيما علم إطلاقه أو شك في إطلاقه فإنه يحمل على المطلق خلافاً (للمرتضى) فهل يجوز التكسب به أم لا وأما (الكفائي) الذي يراد مجرد إيجاده فيجوز لمن يجب عليه التكسب به وأما من وجب عليه فيمكن أن يقال بعدم المخالفة الذاتية لجواز صدوره من الواجب عليه تجويز وجهتين جهة أنها فعله ويؤدي عن نفسه امتثالاً لخطابه وجهة أنه يؤديه عن غيره لعدم اشتراط المباشرة فيه فإن لاحظ الجهة الثانية جاز ويكون مسقطاً عنه وعن غيره بعد صدور الفعل منه ويمكن أن يقال بالمخالفة أيضاً إذ كلما يصدر عنه من ذلك الفعل فهو له ونفعه يعود إليه والنية لا تؤثر المغايرة فيكون بمنزلة إجارة الإنسان نفسه على أن يملك المنفعة العائدة إليه فيأخذ عوضاً عن منفعته لنفسه وعلى كل حال فالإجماع منعقد على المنع وأدلة الإجارة والعقود مما تنصرف إلى مثل هذا وما جاء من هذا الأعواض في الصناعات والضروريات في المعاش لنوع من الإنسان كله من الواجب المشروط بالعوض لا من الواجب المطلق الجائز أخذ الأجرة عليه والإجارة للجهاد إنما تصح عند قيام الغير بما يجب كفاية وأن أصل وجوبه متعلق بالبدن أو المال فيفهم منه جواز أخذ الأجرة عليه والخطاب الشرعي في الحقيقة هو الملك الشرعي لأن الملك معناه السلطنة على الأداء والإلزام به ووجوب التأدية في الأعمال والحقوق المتعلقة بالذمم فيعود إلى اجتماع المالكين على مملوك واحد والفرق بين الخطاب الشرعي التابع المخلوقي أن الخطاب هنا تابع للملك المخلوقي على وجه الحكم التكليفي المجرد بخلاف الخطاب الأصلي فإنه يشابه الملك فكأنه قد تضمن حكماً وضعياً لا يجتمع مع ملك آخر على أن الخطاب الشرعي إن استحق الشرع به التأدية أولاً وكان لسابقاً لم يكن طروّ الملك المخلوقي بقوة الأول وضعف الثاني وإن تعقب الملك المخلوقي أمكن اجتماعه معه لأنه تابع له والاستحقاق صار بسببه ولأن الشرع يملك على الأجير أن يؤدي الملك إلى أهله لا يملك نفس العمل لعدم تعلق غرض للشرع به إلا تبعاً لحق المخلوقي وما قيل من أن لأمر الخالقي لا ينافي الضمان المخلوقي مسلم فيما كان الفعل واصلاً للأمر عائد إليه وقد تسلمه فيجمع حينئذٍ بين ما دل على الضمان وما دل على وجوب الفعل من الخطاب الشرعي ولكن محل المسألة هو (الفعل الواجب) على الشخص الذي قد أداه لخطاب الشرع به العائد نفعه إليه وهو فراغ الذمة فكلما يفعله فهو له وليس للمستأجر فيه نصيب فهل مثل هذا يقبل النيابة ويقبل النقل إلى غيره أم لا وقد قلنا إن الظاهر أنه لا يقبل ذلك وبالجملة فمحل البحث هو المعاوضة على الواجب لا وجوب المعاوضة على العمل المتوقف عليه النظام ولا لزوم الضمان مع بذل العمل والمال فما يكون تعلق الأمر أو الإباحة به للغير من مال أو عمل كالإباحة في المال وبذل المال للمضطر وإرضاع اللبن وعمل الوصي وعمل الصائغ المحتاج إليها فمحل البحث فيها هو أن الأمر الشرعي والإباحة الشرعية في المال والأعمال هل يظهر منها رفع الضمان والمجاز فلا يستحق الفاعل شيئاً أو لا منافاة بين إباحة أخذ المال وضمانه وبين لزوم دفعه وأخذ العوض عليه فيستحق العامل وصاحب المال وهذا ظاهر وأما الواجب الكفائي فلا شك في جواز استئجار من وجب عليه إذا لم يفهم المباشرة من لا يجب عليه الكلام في استئجار من وجب عليه والظاهر أنه لا يخلو من ممانعة ذاتية أيضاً لأن الواجب كفاية واحدا وقد وجب على المؤجر والمستأجر معاً فكلما فعله المؤجر فهو نفس ما وجب عليه وليس الواجب أحدهما فعله المؤجر عن المستأجر والآخر ما وجب عليه وأنه قد سقط ما وجب عليه بفعل ما كان ثابتاً فيه وهذا لا يخفى على المتأمل ويكفي في الواجب الكفائي الإجماع على عدم جواز الاستئجار فيه محصلاً ومنقولاً على ما ظهر وما ذكرناه من جواز الاستئجار فيه ليس مما وجب فجاز الاستئجار عليه بل هو مما جاز الاستئجار عليه فهذا يجب بعد الاستئجار والضمان أو أنهما شرعاً وقعا على النحو المعهود .