انوار الفقاهة-ج24-ص22
القسم الثـامن: السعي بالنميمة والضرر بالوجوه الخفية وهذا كله كما ترى منه ما لا محصل له وما لا محصل له لا يدخل في السحر وفي الخبر أن السحر على وجوه شتى منها بمنزلة القلب كما أن الأطباء وصفوا لكل داء دواء فكذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة ولكل عافية سقماً عاهة ولكل معنى حيلة ونوع آخر معه حفظ وسرعة ومخاريق وخفة ونوع آخر منه ما يأخذ أولياء الشياطين منهم قال فمن أين علم الشياطين (السحر) قال من حيث عرف الأطباء الطب بعضه بتجربة وبعضه بعلاج إلى أن قال: قال أيقدر الساحر أن يحول الإنسان بسحره في صورة الكلب والحمار وقال هو أعجز عن ذلك وأضعف من أن يغير خلق الله من أبطل ما ركبه الله وصوره فهو شريك الله تعالى في خلقه لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم والآفة ولنفي البياض عن رأسه والفقر عن ساحته وذكر بعضهم أن من السحر ما يؤثر المحبة والبغضاء وربط الرجل عن زوجته كما صنع في عمارة بن الوليد حيث نفخوا الزئبق في إحليله فصار مع الوحوش فلما قبضوا عليه أضطرب حتى مات وقد يذكر في كتب السحر وعند أهله الاختفاء عن الأعين والطي والطيران والدخول في الأرض والحائط والمسخ بصورة لا الحقيقة والدخول في النار والمشي على الماء والدخول في الإبريق وفي الحيوان وذبح الإنسان وجر الأثقال والمشي على الحبال وأخذ عقول النساء والرجال واتباعهم لهم أبداً من غير شعور وقلع الحصن والقصور بما لا يعلم سببه كي يبطل عجبه وإدخال الحديد في البدن وإخراجه والضرب بسلاح منه وقيء الإبر و إخراج الضوال وجذب ما في البحر وتجفيف النهر والإضحاك والإبكاء وتغير الألوان وزرع الساعة وبناء المدن دفعة والدخول إليها فجأة وإخراج الخيوط من بطنه وإحراق ثياب حاجبه وجليسه وإماتة من شاء على ما وقته من الأوقات وتسخير السباع والوحوش والطيور وتسخير الملوك وإخراج الماء من الحصى ووضع البيض تحت الأسنان وجلب الدراهم وإحضار من يريد وتشتيت الشمل من الإنسان وابتلاع الجسيم وإخراج الفواكه من تحت الفراش وعمل الترج وعمل الدخن وقلب المعادن وإجماد الماء إلى غير ذلك وإن كان أكثره كما سيجيء إن شاء الله تعالى لا حقيقة له وهذا كله ينبغي التأمل في الداخل فيه في السحر الخارج عنه ولو وجد عندنا علماؤهم وأهل الخبرة منهم لميزوا بينه وبين غيره كما يميزون أهل الصناعات صناعاتهم وأهل الحرف أعمالهم ولا عبرة بما دق ولطف من الأعمال وتراكيب الأغذية والأدوية و لا كما دق ولطف من مبتكرات المسائل في العلوم ولا بما دق ولطف من ألسنة بعض الناس إذا تكلموا في أمر بنحوه إلا يحسن الكلام واللطائف بحيث لا يدرك من إليه الحاجة إلا قضاها وكم من يدركه الأسف بعد ذلك فيقول سحرني بكلامه فقضيت له الأمر من غير شعور ولا بما دق ولطف من الحيل في جلب الرزق وهذا كله لا كلام فيه ولعلنا نقول إن كثيراً مما قدمناه يشارك السحر في الحكم لا في الاسم لترتب الفساد عليه باعتبار خرق العادة بالفعل المشابه للمعجزة الذي أراد الله تعالى دفعه وقطع مادته لتأثيره الخلل في النبؤات وإظهار المعجزات وربما يطلق على كثير مما تقدم لفظ السحر .