پایگاه تخصصی فقه هنر

انوار الفقاهة-ج24-ص15

الخامس والثلاثون: مما يحرم التكسب به لحرمته في نفسه الكذبُ فلا تجوز المعاملة ولا لفظاً لأجله ولا بذل المال للكاذب من جهة كذبه وحرمته من البديهيات والضروريات الشرعية وهو على الله ورسوله والأئمة في الأحكام الشرعية من اعظم المعاصي وكذا عليهم في غيرها وإن كان الأول أشد وكذا الكذب على العلماء في الأحكام الشرعية وفي غيرها وإن كان في الأول أشد وكل كذب حرام وقد يتضاعف اثمه بتضاعف المكذوب عليه والكاذب والمكذوب به ولا بد في الكذب من مخاطب عاقل فلو القى كلاماً لنفسه من دون مخاطب وخاطب من لا يعقل فلا بأس إلا إذا قصد بذلك إفهام من يعقل وأغراه بالجهل فلا يبعد أن حكمه حكم الكذب بل حكمها حكم الإغراء بالجهل ولو كانت موضوعة على الدوام كانت أعظم ديناً من الكلام والمبالغة من الكذب إلا إذا ظهرت قرينتها لدى المخاطب وكان الشيء من شأنه المبالغة كالمدح والقدح في الشعر والنثر لا يجب إظهار قرينة المبالغة بعد العلم بحسب العادة أن المقام مقامها على نظم القوافي من معادنها (وما عليّ إذا لم تفهم البقر) ومن ألقى كلاماً ماله ظاهر ولكن المخاطب يفهم غيره لم يكن كذباً ويمكن تعلق الإثم به لمكان الإغراء بالجهل ويمكن أنه لم يغره وإنما أغرى هو بنفسه ومن خاطب شخصاً كذباً يعلم المخاطب كذبه ليسمع غيره فيعتقد الظاهر ليس كذباً ولكن لا يخلو من الإغراء ومن أخبر بالظاهر عازماً على القرينة فيها لا إثم عليه ومن عمد على عدم القربة كان كاذباً وان استدركها بعد ذلك ومن عزم على القرينة في مقام كلامه فلا إثم عليه ومن عزم على القرينة بعد الخطاب بمدة كان كاذباً ومن أنشأ كلاماً إنشائياً يتضمن خبراً كاذباً دخل في الكذب حكماً لا اسماً ومن قال يا زيد فإن قصد بيان أن زيداً موجود أو ليس كذلك وكان موجهاً الأفهام بمعين كان حكم الكذب والأفعال الظاهرة في شيء غير مطابق للواقع بحكم الكذب في أسمه فمن لبس عمامة خضراء ليبان أنه سيد أو تحنك لإظهار تقدسه أو لزم السبحة أو وضع كتاباً في يده لإظهار انه عالم أو لبس ثياباً فاخرة لإظهار أنه غني أو بالعكس لإظهار فقره وكان على خلاف ذلك دخل في الكذب حكماً لا اسماً ومن أتى بظاهر وأراد ظاهره ولم يكن مطابقاً للواقع فهو كذب قطعاً وإن لم يرد ظاهره ولم ينصب قرينة فهو إما كذب أو حكمه حكمه ولو دار الأمر بين الأول والأخير للضرورة أو لتقية لزم إرادة الأخير وقد يسمى ذلك بالتورية وقد تكون التورية في إرادة أحد معين المشترك من دون بيانه ولا أثم في ذلك وكل محمل أريد معانيه فليس من الكذب إلا أن يكون له ظاهر وأريد خلاف ظاهره ولو أضطر للكذب لحفظ نفس أو مال أو عرض جاز ولا يبعد لزوم التورية وإرادة المجاز ولولا بعد العلائق لأنها أقل قبحاً ولو خرج كاذباً ولم ينصب قرينه كان كاذباً ولو قال (كلما أتكلم به اليوم كذب فتكلم صادقاً كذب) في الأول ولا أثم على كذبه ولو قال كلامي اليوم صدق وكذب فلا يبعد عدم الإثم بكذبه لعدم الإغراء بالجهل ولو نقل عن نقل عن النبي (() لم يكن كاذباً على النبي صلى الله عليه وأله ولم يبين ذلك ولو قال: قال :قال رسول الله (() فهل كذب على رسول الله (() أو على فلان وجهان والأوجه الأول حكماً بل قد يقال واسماً ولا يجوز على سيد الشهداء للبكاء ونحوه ولا على الأئمة (() ونحوه للتعظيم وإظهار الشعائر ومن حدث نفسه حديثاً كذباً فليس كاذباً حكماً ولا اسماً وإظهار قضاء الحاجة للعيال وتفريحهم ووعدهم بالجميل ليس من الكذب حكماً لجريان العادة به بل ولا اسماً والمخبر عن شك كاذب وعن ظن وجهان ولو قال أظن لا في نفس الخبر وكذا من قال أحتمل أو أشك.

السادس والثلاثون: يحرم التكسب به سب المؤمنين كما يفعل بعض العصاة لأخذ الأموال من المخالفين والأعداء الظالمين وهو حرام لنفسه كتاباً وسنة وإجماعاً لاشتماله على الظلم وإيذاء المؤمن وهتك حرمته وإفشاء الفاحشة عليه وورد (أن سباب المؤمن فسوق) ولا يتفاوت بين التقي منهم والفاسق نعم قد يستثنى المتجاهر منهم بالمعاصي الكبائر والظالم لغيره سيما الغاصبين لمنصب الشارع والتابعين لهم لجريان السيرة على لعنهم ولأنهم قد أسقطوا حرمتهم بفعلهم وظلمهم وتجاهرهم ولأن الكتاب والسنة مشحونان بلعن الظالمين والغاصبين لحق الأئمة (() وأشياعهم واتباعهم ويدخل المستضعفون فيهم وكذا أولادهم المميزون بل وغيرهم نعم يستثنى ما كان لمصلحة دنيويه أو أخروية ترجيح على قبح فعله عن أمر بالمعروف ونهي عن منكر أو حفظ لنفس المسبوب أو عرضه أو ماله أو حفظ نفس محترمة أخرى ومن كان أبوه كافراً جاز سب الأب منفرداً بحيث لا يكون سباً للولد وأهانة له فلو قال لمن كان أبوه كافراً لعن الله أباك جاز وإن قال له يا ملعون الأب ويا خبيث الأصل حرم والمراد بالسبب كل ما يقضي بالإهانة من قول أو إشارة بل وكتابة مع القصد إليها في وجه من لعن أو بقبيح أو ذكر عيب قاصد به أنشاء الأهانة كي يفارق الغيبة كما يقول يا أعور يا دنيء يا اقرع وكذا لو أبرزه بصورة دعاء عليه كأبعدك الله وقبحك وأدخلك النار وغضب عليك وقد يكون بخطاب وقد يكون بغيبة وكذا لو شبهه بالحمار أو بالكلب أو أطلق عليه الكلب، أو الكافر، أو الشيطان، أو بعض الكفرة كفرعون ويزيد والشمر أو أطلق عليه أوصافاً رديئة (كيا مغني ويا طبلكي ويا لئيم ويا بخيل وشحيح ويا حبار الأولاد ويا فائن ما لم يدخل القذف فيكون قذفاً وسباً أو نفى الأوصاف عنه الحسنة كقليل الحياء والمروءة والعفة والديانة والأمانة يختص وكثير مما يطلق عليه لفظ الشتم له ولأبيه من هذا القبيل وقد يختص لفظ الشتم بنسبة القبح لأبيه المنسوب إليه أو اللعن ومثله حين نسبته إليه وحكم الشتم كحكم السب.