انوار الفقاهة-ج24-ص13
الثاني والثلاثون: يحرم التكسب بكتب الضلال نسخاً وبيعاً تعليماً وحفظاً على الصدر أو حفظاً من التلف ويحرم اقتناؤها وتلاوتها وهبتها وعاريتها واستيداعها بل ويجوز ميراثها ولا يمكن ملك صورتها كل ذلك لظاهر فتوى الأصحاب حتى كاد أن يكون في الجملة إجماعاً محصلاً ولنفي الخلاف عن حرمة حفظها ونسخها لغير النقض كما عن العلامة ولأنها أولى بالإتلاف من هياكل العبادة وآلات اللهو ولأنها من قول الزور واللغو ولهو الحديث المأمور بالاجتناب عنهن ولدخول جملة منها في ذم الله تعالى : ( لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً)(البقرة: من الآية79) ولأنها أولى بالإتلاف من إتلاف الكفار والمخالفين وجهادهم لأن إتلافهم لسوء اعتقادهم فما هو سبب الاعتقاد أحرى بالإتلاف ولرواية (تحف العقول) الناهية عن بيع وشراء وإمساك وملك وهبة وعارية وجميع تقلبات ما فيه من وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق وإتلافها يكون بإتلافها أجمع وبإتلاف موضع الضلال منها فبالنقض عليها لأنه نوع أتلاف لما تضمنته من القضايا الفاسدة لأن أتلاف بعض آحادها لا يقضي بإتلاف أصلها والرد عليها قاض بإتلاف أصل قضاياها نعم لو لم يكن إلا كتاب واحد فلا يبعدان إتلافه بحيث لا تظهر مفاسده خير من نسخه والرد عليه ولا يبعد أن نسخه المنقض على هيأة الأصل والشرح خير من نسخه منفرداً لإمكان ذهاب النقض وبقائه والظاهر أنه لا يدخل الضلال في الكتب المشتملة على التواريخ الكاذبة والأحاديث المضحكة (كمقامات الحريري وبديع الزمان والسلوانات) لأن الظاهر إرادة ما فيه إضلال لأنه ضلال بنفسه نعم لو اشتمل الكتاب على كذب في اللغة أو القواعد العربية أو الصرفية أو التفسير كان من كتب الضلال وأما الكتب الباعثة على الإضلال في الأعمال والإسراف في الأموال ككتب الكيماء الكاذبة غالباً وكتب الجفر والفال مما لا يدخل تحت عنوان السحر فلا يبعد أيضاً انه مما يبنى على الفساد ويحرم التكسب به ومثلها الكتب المصورة للنجوم وللعوالم مع العلم بعدم معرفة صاحبها ذلك فكذلك الواجب اتلاف ما كان يرجى أو يحتمل احتمالا عادياً إضلاله فلو كان بخط يعلم انه لا يعرف كتابته أو كان موضوعاً أو وضع بموضع لا يمكن الوصول إليه عادة لم يلزم إتلافه تعبداً وقد يناقش في حرمة حفظ الضلال على الصدر لمن يعتقد ضلالها فحفظها من قال لها أو حفظ معانيها لمجرد أن العلم بالشيء خير من الجهل به وحينئذٍ فدعوى حرمة حفظها على الصدر كما أطلقه جماعة لا أرى لها دليلاً شافياً لضعف رواية (تحف العقول) أو عموم: (اجتنبوا قول الزور) لتفسيرها بغيره ويدخل في كتب الضلال الكتب السماوية المحرفة والمشتملة على الحجج في العقائد الفاسدة ككتب الفلاسفة وكتب النصارى وكتب القائلين بالجبر وكتب المستدلين على خلافة القوم والكتب المشتملة على حجج إنكار أحوال المعاد الجسماني من الصراط والميزان والجنة والنار والكتب المشتملة على الغلو وإنكار الضروريات ككتب الغلاة والمجسمة وبعض كتب ما يسمونهم اليوم كشفية والكتب المشتملة على جميع الشبهات على العقائد الحقة وإيقاع الشبهة في تلك العقائد والكتب المعدة لبيان الأصول الفاسدة المعلومة البطلان المترتبة عليها الأحكام الشرعية ككتب القياس والاستدلال عليه وتصحيحه وكذا بعض كتب الأخبارية المعدة لبيان الأصول الفاسدة والاستدلال عليها لسب المجتهدين وبيان بطلان مذهبهم والطّعن فيهم وفي مذاهبهم وكذا كتب الصوفية المشتملة على الاحتجاج لمذاهبهم وعلى بيان طرائقهم ومقاماتهم وطرق رياضتهم وكذا الكتب المشتملة على بيان وحدة الوجود وقدم العالم وبيان الجديدة المحسمية والعقول العشرة أو بيان ما لا يفهمونه من خلق الملائكة والجن على غير طريقة المتكلمين أو الأخبار وكذا الكتب الموصوفة لسياسة الجند تعليماً لهم لقتال المسلمين ونهب أموالهم واستيلاء بلادهم وكذا الكتب الكاذبة في طب الأبدان المؤدية إلى هلاك النفوس وكذلك المشتملة على الأحاديث الباطلة والروايات الكاذبة ولا بأس بكتب فروع العامة لأن طرحها من ضروريات مذهب الشيعة وحالها معلوم فلا تكون مما شانُها الإضلال ويجوز بيعها وشراؤها ونسخها للأطلاع على مذهبهم دفعاً للتقية أو للأخذ بما خالفهم أو للتنبيه على فروع المسائل أو للرد عليهم ولا بكتب أحاديثهم لأن الضلال منه معلوم نقضه عندنا ومعرف لدينا فيجوز بيعها ونسخها للأغراض المتقدمة وما كان منهم من شأنه الضلال فحكمه حكم كتبه ولا بأس أيضاً بكتب أهل الضلال المشتملة على بيان المقدمات الاجتهادية من كتب الأبيات والأصول والمنطق وإن اشتملت على جملة من الضلال لأن ضلالها معلوم ونقضه لدى كل أحد مفهوم ولا بأس بكتب الأنبياء وإن علم انها منسوخة فيجوز نقلها وانتقالها لاكتساب موعظها والاطلاع على أخبارها وآثارها ولا بأس بكتب تفسير القرآن من العامة والخاصة وإن علم أنه بالرأي والاجتهاد وإذا كان مما يمكن استخراجه من منطوق الألفاظ ومعانيها ومن كتب الضلال كتب الكذب على الأنبياء ونفي عصمتهم ونقل المناقب فيهم ونسبته ما لا يرضى لهم فلا يجوز استعمالها إلا مع النقض ولا يجوز نقلها ولا تعليمها ولا نسخها ولا فرق في وجوب إتلاف قضايا الضلال بين كون الكتاب كله كذلك أو أكثره أو من بعض منه وتجوز سرقته من أهله لأتلافه إذا لم تكن تقية ويجب إنكاره على المعير وله أن يحلف ويودي ويحب الإنكار على من عنده بالقلب واللسان واليد ما لم يصل إلى حرج أو قتل ويصدق من أدعى استعماله لغرض صحيح حملاً لفعل المسلم على الصحة والحق جماعة بكتب الضلال الكتب المنسوخة السماوية وإن لم تكن محرفة كالتوراة والإنجيل والزبور وهو على إطلاقه مشكل لأن الإضلال بها مع معلومية حالها بين المسلمين بعيد بل لا يكاد يوجد استعمالها لغرض صحيح لا بأس به ولو كان الاطلاع عليها لإبطال مذهب اليهود بما فيها وللرد عليهم والإنكار على مذهبهم الذي لم يوص أفق الكتب السماوية لتحريفهم اياها وتبديلهم ما فيها في شك في رجحانه كما يفعله اليوم علماؤنا كما أن الرد على المحرف منه من أعظم الطاعات.