انوار الفقاهة-ج21-ص8
إذا أطلق المزارعة مالك الأرض أو العامل أو عمال أفراد الزرع جاز للعامل إذا كان البذر منه أن يزرع ما يشاء وليس للمالك منعه عن زرع دون آخر ولا للعامل منع عامل أخر كذلك إلا إذا كان البذر من أحدهما ففي رجوع التخيير إليه وجه قوي وكذا لو اختلف المالك والعامل وكان البذر من المالك ففي رجوع التخيير إليه أو إلى العامل فيجبره على ما يريد من البذر وجهان أجودهما الأول والفرق بين التعميم فالخيار للعامل مطلقاً ولو كان البذر من المالك وبين الإطلاق فللمالك إذا كان البذر منه وجه لا يخلو من قوة ولو تشاح العاملان أو العامل مع ذي العوامل بعد أن زارعا المالك مطلقاً أو عاماً اقترعا وتنزيل المطلق منزلة العام هنا هو فتوى المشهور وقد نقل عليه الإجماع وقد يؤيد بأن المطلق دال على الماهية من حيث هي هي فكل فرد صالح لحلول الماهية في ضمنه وكذا لو كان مدلوله الفرد الشائع وقد قالوا أن المطلق الامتثال به بكل جزئي من جزيئاته بل قالوا أن الأمر به أمر بكل جزئي من جزيئاته ومع ذلك فلا يخلو عن مناقشة لتوجه احتمال البطلان في المطلق باعتبار حصول الجهالة والغرور المنهي عنه لاختلاف الزرع في تأثيره في الأرض نفعاً وضرراً واختلافه بالنسبة إلى العمل ضعفاً وقوة وتنزيل المطلق منزلة العام مع تفاوت أفراد المطلق تبادراً أو غلبة أو كثرة أو نفعاً للمالك أو للعامل أو ضرر عليهما زيادة أو نقصاً ممنوع لحصول الاختلاف غالباً بسبب ذلك وادعاء كل منهم تنزيل المطلق على ما ينصرف ذهنه إليه من حصول نفع فيه أو دفع ضرر عنه فيلزم الغرر والضرر وذلك الممنوع كما يمنع ببيع الكلي المتفاوت الأفراد وأجارته كذلك وبالجملة فالإطلاق إذا لم تتساو الأفراد بالنسبة إليه بل كانت متفاوتة شدة وضعفاً وخفاءاً وظهور اتساق إليه الغرر من دون تعيين صنف أو فرد من أفراده فلا تتحمله عقود المعاوضة وان جاز استعماله في الأحكام والأوامر الشرعية لابتنائها على العبودية والانقياد لا على رفع مادة النزاع والشقاق والعناد وقد يتوجه أيضاً احتمال الصحة والانصراف إلى الزرع النافع أو الأقل ضرراً كما ينصرف عقد الوكالة للبيع بثمن المثل أو أزيد والشراء به أو انقص وينصرف العمل في باب المضاربة لما كان أعود نفعاً للمال واكثر ربحاً ولكن قد يعارض ذلك احتمال انصراف الزرع إلى ما هو أعود للعامل واكثر نفعاً له سواء كان للأرض نفع أو لا وسواء دخلها منه ضرر أم لا فيعود الإجمال وبالجملة فالاحتمال في صورة الإطلاق ثلاثة الأخذ به مطلقاً وبطلانه مطلقاً لوقوع الغرر فيه وانصرافه لما هو أعود للأرض أو انصرافه إلى ما هو أعود للعامل وأجودها الحكم بالبطلان لولا الشهرة المحكية والإجماع المنقول إذا عين المالك على العامل نوعان من الزرع أو صنفاً أو فرداً لزم اتباعه لعموم لزوم الوفاء بالشرط ولحرمة التصرف بمال الغير من غير طيب نفس منه إلا إذا فهم التعدي بلحن الخطاب أو بقرآئن حالية أو مقالية كما إذا عين له الأكثر ضرر في الأرض والأقل نفعاً لنفسه فأنه يفهم منه تسويغ الأقل ضرراً والأكثر نفعاً بطريق أولي إلا أن يحتمل إرادة الخصوصية لأمر أخر كوفاء دين عليه من جنس المزروع أو من نذر وشبههما فلا يجوز التعدي كذلك ولا يتفاوت الحال في ذلك بين أخذ العين شرطاً أو أخذه ركناً في العقد إلا أن أخذه شرطاً لا توجب مخالفته بطلان المزارعة بل يقع عمله صحيحاً وللمالك الخيار بين الإمضاء فيستحق الحصة مع ضمان العامل لأرش نقصان الأرض لمكان التعدي عليها وبين الفسخ فيأخذ من العامل أجرة المثل والزرع للعامل أن كان البذر منه وللمالك أن كان كذلك ولا يستحق العامل عليه شيء لمخالفته أمر المالك في نوع ما عمل مع احتمال أن مخالفة الشرط هنا موجبة للبطلان لتعلقها بنفس العمل المتعلق بركن المعاوضة وليس كالشرط الخارجي يوجب الخيار فقط وحينئذ فتبطل المزارعة بالنسبة إلى المزروع ويستحق المالك عليه أجرة المثل وأرش الأرض لو أحدث فيها نقصاً وأما أخذه ركناً في العقد فموجب لبطلان المزارعة في المخالف لعدم وقوع العقد عليه فيكون الزرع لصاحب البذر وعلى العامل أجرة المثل للأرض ولا شيء على المالك هذا كله على موجب القواعد ولكن يظهر من جملة من المحققين تخيير المالك بين
الفسخ فله الأجرة وبين الإمضاء فله المسمى والأرش من غير فرق بين اتخاذه شرطاً أو شطراً معللين ذلك بأن مقدار المنفعة المعقود عليها قد استوفيت بزيادة في ضمن زرع الأخر فيتخير بين الفسخ لذلك فله الأجرة لوقوعه بغير أذنه غير المعقود عليه وبين الإمضاء وأخذ المسمي في مقابلة مقدار المنفعة والأرش في مقابلة المنفعة المعينة والإرش في مقابلة الزائد الموجب للضرر وهو ضعيف لما قدمنا من أن وقوع الزرع المعين شطراً مما يخصص العقد به فيكون غيره غير مأذون به ولا معقود عليه فيبطل نعم قد يتجه ذلك في الشرط لاحتمال أنه يكون بمنزلة الالتزام الخارجي وإلا فالمقصود أولاً وبالذات هو نفس الزرع ولكنه لا يخلو من إشكال أيضاً لأن الشرط معين هنا أو كالمعين فيعود كالأول ويظهر مما ذكرنا أيضاً ضعف ما ذكره جملة من الأصحاب من أن للعامل زرع ما هو أقل ضرراً للأرض من دون أذن المالك فيستحق المسمى من الحصة ولا أرش عليه ولا خيار للمالك لعدم الضرر عليه ولدخوله تحت مفهوم الأولوية ووجه ضعفه أن الأقل ضرراً غير معقود عليه مع أن النماء تابع للبذر الأخير فلا يخرج عنه إلا بدليل ولم يقم هنا ما يدل على خروجه ودعوى أن الرضا بزرع الأخير بالنسبة إلى الأرض يقتضي الرضا بالأقل ضرراً فحوى وبالمساوي مفهوماً مردودة بأن ذلك مسلم فيما لو كان غرض المالك ومقصوده فيما يعود إلى الأرض نفعاً وضرراً وهو ممنوع لجواز تعلق غرض المالك بنفس الزرع للاحتياج إليه بوفاء دين أو تزويج أو مبرة يمين وأن عاد على الأرض ضرر بنقصها أو أتلاف منفعتها فتبطل دلالة الفحوى والمفهوم حينئذٍ نعم يتمشى ذلك في زراعة الأرض في الإجارة فيما إذا أذن صاحب الأرض للمستأجر بنوع خاص فأنه له التعدي بالنسبة إلى الأخف لأن المقصود منها نفس الأجرة دون الزرع ولا يتعلق للمؤجر غرض به فكلما خفف المستأجر بالزرع عادت منفعته إلى الأرض من دون ضرر بوجه من الوجوه فما أطلقه المحقق (() من أن الزارع له زرع الأخف وظاهره أن له الحصة ولا خيار له وما أطلقه العلامة (() من أن المالك مخير بين أخذ الحصة مجاناً وبين الفسخ وأخذ أجر المثل لا يجريان على القواعد.
تاسعهــا مباشرة العمل من قبل العامل أو غيره: