انوار الفقاهة-ج19-ص74
أحدها : البينة مثبتة للملك من حين أدائها على نحو ما أدته فإن أدت ملكاً مطلقاً ثبت من زمن التأدية لأنه المتيقن وان أدت مقيداً بوقت سابق فهو من حين ذلك الوقت فعلى ذلك فالنماء المتصل من حين ثبوت الملك لمن قامت له وكذا ما كان بعده مطلقاً والنماء المنفصل قبل ذلك لمن كانت في يده قبل الإثبات وسبب دخول النماء المتصل هو دخوله في المشهود له كالصوف واللبن والقرن والبيض لأن البيض لا يعلم وجوده إلا مع وجود العين ولا يمكن تميزه فهو داخل في عين المشهود به كما تدخل هذه في البيع والهبة وأما النماء الذي لا يعد جزء كالحمل والثمرة ونحوهما فلا يدخل في المشهود به وان كان متصلاً حين الشهادة لعدم التلازم بين ثبوت ملكية العين للمشهود له وملكية النماء لذي اليد وظهور كون النماء تابع للمشهود به فتثبت ملكيته تبعاً لا يعارض اليد القاضية بملكهما خرج ما شهدت به البينة ويبقى الباقي على حكم اليد نعم لو قالت هذه الدابة ملكه استنتجها عنده أو هذه الشجرة غرسا بيده أفاد ملكية النماء للمشهود له وهذه القاعدة جارية في كل مبيع ظهر بعد شرائه انه مستحق للعين وكانت الشهادة انه ملك الغير على الإطلاق ولو شهدت انه ملكه الآن لم تكن منافية لشرائه من آخر لاحتمال ان المشهود له ملكه بعد شرائه نعم يشكل في الشهادة المطلقة ان الفقهاء حكموا بأنه لو اشتراها فظهرت بالبينة المطلقة إنها ملك الغير رجع المشتري على البائع بثمنها لأنه قد انكشف بالبينة العادلة إنها لم تكن للبائع وكذا لو تعاقبت كما إذا اشتراها من موهوب أو من مشترٍ آخر وهكذا وذلك يقتضي كونها ملكاً للمشهود له قبل الشراء فيقتضي كون النماء كله حتى المنفصل للمشهود له فكيف يجتمع هذا مع الحكم بأن النماء المنفصل للمشتري وبالجملة فالحكم بكون النماء للمشتري وبين رجوعه بالثمن على البائع جمع بين متنافين قيل وقد ينزل ذلك ان الحكم ببقاء النماء على ما إذا لم يدع المشتري الابتياع المستلزم لتقدم ملك المدعى عليه ذلك وفيه ان المشتري بعد اعترافه بالشراء من الغير وقيام الحجة على إنها ملك غير البائع عاد النماء لمن قامت له الحجة ادعى أو لم يدع إلا ان يقال ان أقصى ما هناك إطلاق دعوى الابتياع من المشتري ليرجع بالثمن وهو أعم من الابتياع الذي حصل به اصل ملك المشتري للعين المتقدم على حصول النماء ومن الابتياع المتأخر عن حصول النماء بأن يكون المشتري كان مالكاً من قبل فحصل النماء ثم انتقلت منه وتداولتها الأيدي ثم أبتاعها وأقيمت البينة المطلقة على إنها ملك آخر فانتزعت منه ففي هذه الصورة يصح اجتماع الحكم ببقاء النماء له وجواز رجوعه بالثمن وهو لا يخلو من نظر بل خلاف ظاهرهم ولو قيل لا يرجع على البائع إلا إذا ادعى خصمه ملكاً سابقاً على الشراء كان قوياً ويمكن تنزيل كلامهم على ذلك .
ثانيها : شهادة البينة بالسبب لا تضر مع إطلاق الدعوى بل يؤكدها غير ان المدعي إذا أراد تأكيد الدعوى فادعى السبب لم تغن تلك الشهادة لتبرع الشاهد بها فلا بد من إعادتها ولو ذكر المدعي سبباً وذكر الشاهد آخر احتمل بطلان الشهادة من اصلها ان ناقضت ذلك السبب كما يقول المدعي : كتبته فيقول الشاهد : استكتبه واحتمل الصحة فتسمع الشهادة بالملك المطلق دون السبب واحتمل بطلان الشهادة إذا كانت الشهادة بالملك مستندة للسبب بحيث ان العلم بها مستند للعلم به وإلا فلا والأقوى اختصاص بطلان الشهادة في مورد الاقتصار على السبب دون ذكر الملك والشهادة به لتكذيب المدعي لشهوده في ذكر ما يناقض شهادتهم وان لم يناقض سبب المدعي سبب الشاهد فلا بأس لأن الشهادة منصبة على الملك واختلاف السبب مع عدم تضاد غير منافٍ للشهادة لإمكان اطلاع كل من المدعي والشاهد على غير ما اطلع عليه الآخر أو ذكر كل منهما سبباً غير ما ذكره الآخر مع وجود كل منهما في المشهود به.
ثالثها : لو تداعيا على عقد أو إيقاع أو حكم من الأحكام انه صحيح أو فاسد كان القول قول مدعِ الصحة ولو أقاما بينة كانت البينة بينة مدعِ الفساد لأنها بينة خارج ومدعِ الصحة وان خالف قوله الأصل لأصالة عدم الصحة إلا انه موافق للظاهر وللقاعدة الشرعية بل ولأصالة العدم حيث تكون الدعوى بعروض مانع ويوافق اليد غالباً ولأن مدعي الفساد وان وافق الأصل الأولى إلا ان لو ترك لترك ولو ادعى على وكيله انه آجر بدون أجرة المثل أو باع بدون ثمنه فالقول قول الوكيل والبينة بينة الموكل لأنه بمنزلة الخارج والوكيل بمنزلة الداخل فكأن اليد يده والتصرف تصرفه .