انوار الفقاهة-ج19-ص66
رابعها : ورد في بعض الروايات انه لو انكسرت سفينة في البحر فما اخرج البحر فهو لأهله وما خرج بالغوص فهو لهم وهم أحق به وأراد بالضمير عوده للغائصين كما فهم الفقهاء وهو ظاهر السياق وربما يؤده أخبار أخر والرواية وان كانت ضعيفة السند ولكنها مجبورة في الجملة بالشهرة المحصلة والمنقولة وأفتى بمضمونها جماعة من أصحابنا وظاهرها ان ما أخرجه البحر فهو لأهله سواء كانوا حضار أو غيبا وسواء يئسوا منه أو لا وسواء ظهر منهم الإعراض بقول أو بفعل أو كان ظاهر حالهم ذلك أم لا وسواء كان مما يعرض عنه عادة أم لا وإنما أخرجه الغائص له مطلقاً سواء اعرض عنه صاحبه أم لم يعرض حق لو كان واقفاً ويغوص معهم وقيد بن إدريس ذلك بصورة اليأس منه ونقل الإجماع على ذلك وتواتر الأخبار وظاهر عبارته انهم تركوه وذهبوا آيسين منه ولم يذكر حال ما إذا كانوا عنده وفقه المسألة ان الرواية ان خرجت عن القاعدة بكلا الحكمين أو بأحدهما دون الآخر لزم الاقتصار على موردها من سفينة انكسرت في البحر فلا يتعدى إلى غير المورد إلا بتنقيح المناط كما لا فرق بين السفينة وما شابهها وبين الكسر وسائر أنواع الغرق فيشكل التعدي إلى ما وقع في النهر أو في عين أو في البر من الأماكن التي تضيع فيها الأموال دفعة إلى ان يخرجها ريح أو عمل عامل كالغوص وان انطبقت على القواعد سرى الحكم لكل ما كان تحت القاعدة والذي يظهر من السيرة واستقراء موارد جزئيات ما شابه هذه المسائل ان المال الذي في السفينة ان كان أهله غير معرضين عنه باقين على إخراجه مريدين له فهو لهم حتى لو كان الشيء ن شأنه الإعراض كالمحقرات الواقعة من الحطب والتبن وبعض الحب من الزرع فإنه كله على اصل الملك لمالكه واحتمال خروجه عن الملك قهراً لو كان من شأنه ذلك بعيد وان كانوا معرضين عنه قطعاً أو كان من شأنه الإعراض ولم يعلم حالهم بل كان ظاهر الحال يقضي بإعراضهم عنه كان مباحاً لواجده ويخرج عن ملك المعرض ويكون بمنزلة الإقالة مع المالك الحقيقي وبمنزلة فك الملك عن نفسه بل لو كان صاحبه مجنوناً أو صبياً وكان من شأنه إعراض أهله عنه خرج عن ملك مالكه في وجه قوي كما ان الإعراض لو كان من المالك عن مال له ليس من شأنه إلا الإعراض عنه كما يقول أعرضت عن مالي لا يحكم بفك الملك فيه لعدم جريان السيرة على ذلك وبالجملة فالظاهر ان الإعراض لو حصل من المالك قطعاً أو دلت عليه الأمارات اللفظية أو العادية وتعلق بما من شأنه ان يعرض عنه أو كان الشيء من شأنه الإعراض عنه وان لم يعلم بإعراض الملك عنه لصدوره من مجنون أو جاهل أو ممن لا يعلم حاله كان في الجميع مخرجاً عن الملك ولو علم بعدم الإعراض فلا يخرج عن الملك كما لو علم الإعراض عما من شأنه انه لا يعرض عنه نعم يكون هذا بمنزلة الإباحة في التصرف وقد يقال ان الإعراض لا يخرج عن الملك بل هو دليل على إباحته لمن أراده واخذه ويشكل ان الإباحة للتصرف تملك المتصرف بالتلف كازدراد الطعام من بادله أو بالنقل في عقد لازم كالاباحة في المعاطاة على القول بها ولا تملك بمجرد القبض أو التصرف مطلقاً مع ان السيرة قاضية بتملك المال المعرض عنه كالبعير المتروك من جهد في غير كلأ وماء بمجرد قبضه وإجراء أحكام الملاك عليه وهو دليلنا على الملك في المعاطاة دون الإباحة واحتمال ان الإباحة في المال المعرض عنه إباحة لتملكه فيملكه القابض بمجرد نية الملك بعيد لأن الأذن في الملك غير معقول واباحة ان يملك آخر ماله لا يجري على القواعد نعم لو أباح التملك بمعنى إباحة أسبابه فالإذن فيه إذن في لوازمه فيصير الأذن بمنزلة من إذن لواحد معين أو لكل أحد ان يوجد أسباب الملك لماله من غيره وجملتها قبضه عن المالك على سبيل الهبة أو بيعه وهبة ثمنه لنفسه جاز ولكن السيرة القطعية لا تجري على المال المعرض عنه ذلك وللزم ان لا يملك المال المعرض عنه لو صدر من غير الباغ والمجنون وعلى ما ذكرنا فتحمل الرواية على ان ما أخرجه البحر كان لأهله إذا كانوا واقفين عليه مريدين له ولو بعد ذلك فأهله آملون له وحاسبونه من مالهم بخلاف ما احتاج إخراجه إلى مخرج فإن أهله معرضون عنه لمخرجه باذلوه له فيكون له لو أخرجه بنية تملكه لنفسه نعم لو أخرجه بنية انه لأهله احتمل عوده إليهم واحتمل ابقاءه على الإباحة وهل يأس أهل المال قرينة على الإعراض ؟ الأظهر العدم لأن صاحب المال قد ييأس من تحصيل ماله عند الظلمة أو السراق ولا يعرض عنه القول في دعاوى الأملاك وفيه أمور :