انوار الفقاهة-ج19-ص34
الخامس والعشرون : مما اعتبر فتوى ورواية انه لا يميل في حد وهو نكره في سياق العموم فيعم يمين النفي واليمين المردودة والمنضمة مع الشاهد ويمين الاستظهار وغيرها ويشمل الحد الإلهي المجرد والمتعلق به حق آدمي كحق القذف والزنا لو ادعى به المقذوف والمزني به وظاهر النفي سقوط اعتباره أصلاً لسقوط الدعوى به من أصلها فلا يترتب الفرع عليها لأنها مبنية على التخفيف والمطالب بالحد اسقط اعتباره من دون بينة فلا معنى لسماع ما لم يعتبر حينئذ ولأن الحد مبني على درائة بالشبهة وترتب أحكام اليمين فيه شبهة في الحكم والموضوع ولأنصراف اليمين على من أنكر لمن أنكر في الحقوق المالية ونحوها مما يعود للمدعي فيها حق وظاهر بعض الأصحاب نقل الإجماع على ذلك على ان أمر الحد عظيم وقد أمر بالستر به وعدم التجسس والنهي عن الغيبية ويلحق بالحد التعزير على ما يقتضيه عموم الأدلة ونقل عن الشيخ ( انه ذهب إلى ان الحق لو تعلق للمخلوق به حق كحد الزنا والقذف لو ادعى بهما المزني به والمقذوف سمع لعموم الأدلة ولحديث لا ضرر ولا ضرار ولتأديته إلى ضياع الحق المخلوقي وفرِّع على ذلك ان القاذف لو ادعى على المقذوف انه زنى لزمته الإجابة فإن حلف على عدم الزنا حد القاذف وان نكل ردت اليمين على القاذف ويسقط عند الحد ولكن لا يثبت بيمينه حد على الزاني وكان ثمرة ذلك تكون الدفاع عن نفسه حيث انه قذف فتوجه عليه الحد فأما ان يلقى الزاني بوبال اليمين الكاذبة أو بالإقرار فيترتب عليه الحد أو بالرد فيسقط الحد عن القاذف ويرد الأول ان العموم منصرف لغير الحدود لابتنائها على التخفيف والمسامحة لا ضرار ولا إضرار معارض بمثله لو ثبت الحد باليمين المردودة أو بالنكول ولا يضيع حق المخلوق بعد ترتب العقوبة عليه كالغيبة والاستهزاء والجميع لا يعارض الروايات المرسلة كمرسلة بن أبي عمير والبزنطي المنزلة منزلة الصحاح المؤيدة بالشهرة المقارنة للإجماع وبظاهر الكتاب الأمر بالخلل القاذف على وجه الإطلاق نعم يتوجه ما فرعه الشيخ دفعاً للضرر والضرار ولحديث نفي الجرح حيث ان القاذف لما قذف صادقاً فتوجه عليه الحد جاز رفعه بيمين إثبات زنا لرفع الحد لا لإثبات حد ولا بأس بالقول بجواز رفع اليمين الحد الثابت تخفيفاً على القاذف بخلاف الغير الثابت فانه مرفوع بتخفيف لله سبحانه فلا حاجة إلى تحليف المدعى عليه وقد يقال بجواز سماع اليمين لو كان الغرض منه غير الحد كما إذا ادعت امرأة على زوجها انه لاط بأخيها أو زنا بأمها قبل تزويجها أو زنا بها وهي ذات بعل فانه يتوجه عليه اليمين لرفع التحريم لا لاسقاط الحد فإن لم يحلف حلفت هي وبانت منه ولو اجتمع حق المخلوق الصرف مع حق الخالقي جاز اليمين مراعاة للحق المخلوقي إذا لا يمين في حد أو فيما يترتب عليه حد واليمين هنا على أمر قد يترتب على ثبوته حد وبالجملة فهنا أمر واحد يترتب عليه أمران مخلوقي وخالقي فبثبوته بالنسبة إلى أمر لا ينافي عدمه بالنسبة إلى آخر وكونهما معلولان علة واحدة ممنوع لعدم تسليم ان العلة في رفع اليمين هي كلي الزنا بل هو المترتب عليه دون ما لم يترتب عليه أو ان هذه معرفات غير علل عقلية أو انه كتبعيض الصفقة يؤثر في القائل دون غيره ومثل السرقة ما لو ادعت انه زنا بها كرهاً لاستحقاقها مهر المثل والفرق بين السرقة والقذف وإن كان كل منهما تعلق به حقان ان السرقة تشتمل على دعويين أحدهما المال وهو راجع للمخلوق فجاز اليمين عليه والآخر نفس الفعل والاقدام على معصية الجبار بخلاف القذف فإنه لا زمان فيه بل هو أمر واحد وهو الحد قد اقدم على موجبة جرأة فكل من الخالق عز وجل ومن عبده يدعيه فهو أمر يدعيه اثنان وذلك أمران كل يدعي شيئاً فالحد يدعيه السلطان والمال يدعيه صاحبه .
السادس والعشرون: لو كانت عنده بينة أو جزء بينة فاعرض عنها فطلب يمين المنكر جاز فإن حلف المنكر ذهبت اليمين بما فيها وإلا جاز رجوعه إلى البينة حتى لو قال : أسقطت حقي من البينة أو اعرضت عنها للشك في سقوط حقه بعد استصحابه بمثل ذلك وغاية الأمر ان الحقوق المالية تسقط بالاسقاط فشبه اسقاطها بالابراء دون غيرها وبالجملة فالاعراض لم يثبت به سقوط الحق كما ثبت التملك به في الأشياء الحقيرة الواقعة في الطرق من الحطب والتبن والحب القليل أو فيما لا يمكن الوصول إليه كالواقع في البحر الذي لا يرجى لصحابه إخراجه وكذلك الإسقاط لم يثبت في غير الحقوق المالية السقوط به لتنزيله منزلة الإبراء لكونه حقاً راجعاً للمسقط فإذا اسقطه ارتفع المانع عن عمل مقتضى البيع عمله بخلاف البينة فإنها مثبتة بنفسها حق لو اسقط إثباتها لم يتمكن وأما إقامتها فهو وإن كان حق له لكن يتبع نفس الدعوى فهي كحق الأبوة والزوجية لا تسقط بالإسقاط.