انوار الفقاهة-ج19-ص30
ثامن عشرها : يلزم على الحالف الحلف على ما يقطع به ان وقع الحلف على الجملة الجزية بلفظ دون الكتابة والإشارة وان يكون مخاطباً غيره فلو خاطب نفسه لم يشترط ذلك كما ان الشهادة كذلك فلا يبرز المظنون أو الموهوم بصورة الخبر الجازم ولا يجعل الظن كالجزم فيحلف عليه ولا يكفي في الجزم العلم الشرعي كالشهود به بشهادة عدلين والذي قضت به اليد أو ما اكتفي فيه بالظن مع احتمال الاكتفاء به في مقام الجزم في وجه قوي ولو ورى فحلف على ما ورى لم تكن يمين غموس وإن أثم نعم له ان يحلف على نفس الإدراك من الظن والوهم فيقول : والله أظن أو أتوهم وهو حلف على البت أو ينصب قرينة على ان هذا الخبر مظنوناً فيقول : والله كان كذا بظن أو وهمي ولا يكتفي الحاكم في مقام الدعوى في الحلف على نفي أو إثبات من منكر أو مدعي إلا بالجزم بما حلف عليه حتى لو كان المدعي به إثبات ظنه أو نفيه حلف على الجزم في إثباته ونفيه وكذا لو كان المدعي به إثبات العلم أو عدمه كان الحلف من المدعي على إثباته ومن المنكر على نفيه كما إذا ادعى المدعي مالاً على الوصي من طرف الموصي أو على الوارث من طرف الموروث وادعى عليه العلم به حلف المنكر على نفي العلم على الجزم فلو رد عليه اليمين فهل يلزمه الحلف على إثبات علمه به أم إثبات المال ؟ وجهان ولا يبعد الأخير وقد يقال ان الدعوى على الوصي أو الوارث لا يلزم فيها دعوى العلم بل يكفي فيها الدعوى على المال ولكن يجتزي فيها بالحلف على نفي العلم لمكان العسر والحرج ولعدم الطريق إلى الجزم بنفي فعل الغير وهذا الذي يظهر من كلام القدماء فيقوم الحلف عندهم على نفي العلم مقام الحلف على الجزم بنفي المدعي به وعلى هذا لو رد الوصي اليمين لزم المردود عليه الحلف على إثبات الحق لا على العلم به بل ربما يدعي ان الحلف على إثبات العلم لا يفيد فائدة وبما ذكرنا يظهر معنى قولهم : ان الحلف يكون على الجزم في إثبات فعله أو فعل غيره أو نفي فعله ولا يكون على الجزم في نفي فعل غيره لبنائهم على تعبير الجزم بنفي فعل الغير لعدم القطع به غالباً نعم لو كان الفعل مشتركاً بين المدعي والمنكر كالنكاح والبيع صح للمنكر ان يقول والله ما بعتني كما يصح ان يقول والله ما اشتريت منك وينحل بالحقيقة إلى الحلف على نفي فعل نفسه لمكان التلازم الشرعي أو العرفي لاستناد الحكم به غالباً إلى أصالة العدم والبراءة الأصلية وهما لا يفيدان الجزم ولو فرضنا حصول الجزم به كما لو كان النفي مقطوعاً به لانحصاره في زمان أو مكان جاز الحلف على القطع بنفيه بطريق أولى ولزم قبوله ولو علم الحاكم بقطع الوصي أو الوارث بالنفي فهل يلزمهما بالحلف على الميت والقطع لأنه الأصل أو لا يلزمهما لانقلاب حكمهما إلى الحلف على نفي العلم كما عليه ظاهر الإجماع فلا يكلفان ازيد من ذلك إلا برضاهما فعلى هذا يكون تعسر العلم عليهما غالباً يكون حكمة لا علة يدور مدارها الحكم وجوداً وعدماً ويظهر مما ذكرناه ان المدعى عليه لو تعلقت الدعوى بنفسه لا يكتفي منه بالحلف على نفي العلم بل يكلف بالحلف على الجزم أو يرد اليمين على المدعي مع احتمال الاكتفاء منه بالحلف على نفي العلم للزوم العسر والحرج أو الاكتفاء منه بذلك في مقام عدم إمكان الرد لعدم القطع من المدعي كما إذا كان المدعي منهما أو وصياً أو نحوهما هذا وقد وقع اشتباه لأصحابنا في مواضع ان الحلف فيها على الميت أو نفي العلم للاشتباه فيها ان المحلوف على نفيه فعل المدعى عليه أو فعل غيره كاتلاف البهيمة مالاً من عودها إلى إتلافه لأنها ماله ومن عدم مباشرة التلف لله وعدم وقوعه منه ولعسر العلم والأوجه هنا الحلف على نفي العلم على البت لأنه الأصل في اليمين والاطلاع على فعل البهيمة غير عزيز واتلافها يعود إليه وكذا الدعوى على المولى في جناية العبد نفساً أو طرفاً لو كانت الدعوى على مولاه دونه فيحتمل الحلف على نفيها من المولى على البت لأنه الأصل في اليمين والاطلاع على نفي فعل الغير غير متعسر سيما ممن تعود أفعاله إليه لتملكه إياه والأقوى الاكتفاء باليمين على عدم العلم لخروج أفعال العبد عن أفعال المالك شرعاً وعرفاً ولا فرق بين فعل العبد والاجنبي فلا يكلف بالمولى اليمين الباتة على نفي فعله وقد تبين المسألة على ان فعل العبد المتعقب ضماناً يعود إلى رقبته فقط أو إلى رقبته وذمة العبد بعد العتق فإن قلنا بالأول حلف المولى على البت وعلى الثاني يحلف على نفي العلم وكذا الدعوى على شخص بأنه أخوه تزوج أبوه أمه في بلاد غربة فانكر المدعى عليه فانه يحتمل التحليف على نفي العلم لعدم كونه التزويج من فعله وهو الأقوى ويحتمل التحليف على البت لأنه الاخوة المدعاة أمر نسبي بين المتداعين وهو وجه ولو ابرز الدعوى إني أخوك فانكر وكذا لو نصب البائع وكيلاً لقبض الثمن وتسليم المبيع فادعى المشتري على الموكل ان الوكيل قبض الثمن وأبطل حق حبس البيع فانكر الموكل ذلك فهل يحلف على نفي العلم لأن فعل الوكيل غير فعل الموكل أو يحلف على البت لأن الموكل يثبت استحقاق الحبس على مال المشتري والمشتري يدعيه بارتفاع حق الحبس عن ما اشتراه فيحلفه على البت لرجوع النفي إليه والحق ان الموكل يحلف على نفي العلم عن قبض الوكيل للثمن قطعاً فإذا حلف لزم المشتري ابقاء حق الحبس عليه فحينئذ ان كانت الدعوى على ارتفاع حق الحبس وعدمه اتجه الحلف على البت من الموكل وان كانت على القبض وعدمه اتجه الحلف على نفي العلم ولما كانت دعوى غالباً على الأول وان لزمها الثاني فالحلف على نفي العمل وكذا لو ادعى البائع ظهور عجزه عن تسليم المبيع وعلمه به فيحتمل هنا الحلف على نفي العلم بعجزه لأنه متعلق بالغير ويحتمل الحلف على البت لعوده إليه لأنه يثبت لنفسه وجوب تسليم المبيع إليه .
تاسع عشرها : يحلف المدعي على البت ابتداء وبعد الرد عليه من الحاكم أو من المنكر ولو رد المنكر اليمين على المدعي ثم بذله كان له ذلك وعاد الحق إليه وان لم يرض به المدعي ولو وقع منه ذلك مراراً قوي حينئذ إلغاء رجوعه فيكون بمنزلة الناكل واحتمال انه بمجرد الرد ينتفي عنه جواز العدول لأن رد اليمين عليه إسقاط لحقه أو هبة لغيره فلا يجوز بذله بعد رده إلا برضاه بعيد لمنع كونه إسقاطاً وكونه هبة بل هو رضى منه بقيامه مقامه في اخذ الحق منه ليمينه فهو بمنزلة التفويض والإذعان والتسليم لقوله وفعله فإذا أراد نقض هذا الإذعان والتفويض والتسليم جاز نعم قد يقال ان الرد بمنزلة الإقرار المعلق على يمينه فلا يجوز له نقضه وهو أيضاً بعيد لمنع لزوم الإقرار المعلق لو صح انه كذلك أو ان الرد بمنزلة الصلح على دفع الحق باليمين وهو بعيد كذلك لمنع كونه صلحاً .